مر عام 2022 بتطورات اقتصادية وسياسية صعبة، وهذه التطورات لم تأتِ من فراغ، وإنما نتيجة مخاض عسير لتطورات وأحداث سبقتها ومهدت الطريق لقدومها، وعلى رأس تلك التطورات يأتي رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة، فبنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا المركزي، بل وحتى البنك المركزي الياباني سار في نفس الاتجاه بعد أعوام طويلة من خفض سعر الفائدة الى أقل المستويات، وهذا أدى إلى رفع البنوك المركزية في العالم المرتبطة بتلك البنوك لسعر الفائدة على عملاتها، أما بنك الشعب الصيني، فقد ثبت سعر الفائدة على الاقتراض متوسط الأجل لمدة عام عند مستوى 2.75 %.

كذلك تعتبر العقوبات الاقتصادية التي فرضتها مجموعة السبع على روسيا وانضمت إليها معظم الدول الأوروبية، من أهم الأحداث الاقتصادية التي شهدها العام الماضي، والتي ولدت معها الكثير من التطورات الاقتصادية، وعلى رأسها، زعزعة الثقة في النظام المالي العالمي وارتفاع أسعار الطاقة، ونقص إمدادات المواد الغذائية وعلى رأسها القمح والشعير وكذلك الأسمدة المستخدمة في الزراعة، مما أدى إلى خفض إنتاجية المحاصيل المزروعة.

إن التطورات المشار إليها لم تولد من فراغ، فقد سبق رفع البنوك البنوك المركزية لأسعار الفائدة، ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى إلى مستويات غير مسبوقة، وهذا ليس بلا أساس، فكلنا يعرف أن العالم بعد الأزمة الاقتصادية-المالية عام 2008، لجأ إلى سياسات التيسير الكمي وطباعة النقود غير المغطية بلا حساب، وهذا أدى إلى اختلال التوازن بين الكتلة النقدية الورقية المتداولة، وبين حاجة الاقتصاد لها، وبصفة عامة، فإن الاستثمار في غير القطاعات المنتجة، وخاصة في الأصول عالية الخطورة وعمليات المضاربة، تؤدي إلى ارتفاع التضخم واختلال التوازن في الاقتصاد.

أما العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، فهي رد فعل الغرب على إعلان روسيا في فبراير الماضي، عن القيام بعملية عسكرية خاصة ضد أوكرانيا. ولكن، كما تبين، فإن هذه العملية، جاءت نتيجة لعدم تطبيق الدول الموقعة على اتفاقية مينسك 2، لما وقعوا عليه عام 2015. وللتذكير، فإن أهم بنود اتفاقية مينسك هما بندان: البند الأول تحول أوكرانيا من دولة مركزية إلى دولة فدرالية. والثاني انضمام دونيتسك ولوغانسك، اللتان أعلنتا استقلالهما، إلى أوكرانيا. ولكن مثلما تبين من تصريح مستشارة ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل، فإن ألمانيا وفرنسا وقعتا على الاتفاقية ليس من أجل تطبيقها، وإنما بغرض كسب الوقت، وإعادة تسليح أوكرانيا لمواجهة روسيا.

ومثلما نرى، فإن التطورات الاقتصادية والسياسية غير المؤاتية عام 2022، تعتبر نتيجة أخطاء في الممارسة وعيوب في السياسات المتبعة، ولذلك كل التمنيات أن يكون العام المنتهي عبرة، حتى لا تتكرر مثل تلك الأخطاء أو ما يشابهها في العام المقبل.

مع خالص التمنيات للقراء الأعزاء بعام جميل حافل بالأفراح والمسرات.