تعمل روسيا وأوكرانيا على قاعدة واحدة، ركنها الأساسي أن تسوية بين البلدين ستخرج من الميدان وليس من أروقة الدبلوماسية. يومياً، يطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الغرب بتقديم المزيد من السلاح المتطور لكييف، ويعده بأن أقصر الطرق لإنهاء الحرب، هي في إمداد بلاده بالسلاح كماً ونوعاً.

الضربات الأوكرانية في العمق الروسي والوصول مرتين إلى قاعدة إنغلز الجوية على مسافة 185 كيلومتراً من موسكو، واستخدام راجمات "هيمارس" الأميركية بكفاءة عالية في الميدان، وإسقاط معظم الصواريخ والمسيّرات التي تطلقها روسيا بالعشرات، تدل على نجاح أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، وقد يتعزز هذا الاتجاه مع وصول الباتريوت الأميركي.

ورئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريل بودانوف يؤكد أن بلاده تخطط لشن هجوم كبير خلال الربيع المقبل على مواقع تمركز القوات الروسية.
والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدوره يتوجه إلى الروس التواقين إلى وقف الحرب وتجنيب بلادهم المزيد من الخسائر البشرية في الميدان وتأثير العقوبات الاقتصادية الغربية، محاولاً حشد التأييد للحرب والبحث عن انتصار يفرض على أوكرانيا الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهناك 200 ألف جندي روسي من الذين تم تجنيدهم في التعبئة الجزئية يتوجهون إلى الجبهات الآن، ويجري الحديث عن الزج بأسلحة روسية جديدة في المعارك.

وتدمير البنى التحتية الأوكرانية من كهرباء وماء في ذروة الشتاء، هو تعويض روسي عن التراجعات الميدانية وعدم القدرة على التقدم في أي محور من المحاور. الهجوم على مدينة باخموت في منطقة دونيتسك في الدونباس شرق أوكرانيا دخل شهره السابع، من دون أن يحقق سوى نتائج متواضعة لا تغير من السياقات الميدانية الحالية.

وأتى مقتل عشرات الجنود الروس في ضربة أوكرانية على بلدة ماكييفكا في دونيتسك ليلة رأس السنة، ليؤجج غضب الروس ويجعلهم أكثر جرأة في المطالبة بمحاسبة المسؤولين. ولا يهم أن تلقي القيادة الروسية باللوم على الجنود لاستخدامهم هواتفهم، قائلة إنهم بذلك خالفوا التعليمات، ما تسبب بأكبر خسارة بشرية للجنود الروس في ضربة واحدة منذ بدء الحرب في 24 شباط (فبراير) الماضي.

وفي المقابل، هناك في الولايات المتحدة من يراهن على أن تزويد أوكرانيا بمزيد من السلاح المتطور رغم أنه يزيد من مخاطر إقحام أميركا مباشرة في القتال، فإنه يشكل عاملاً أساسياً من عوامل الضغط على بوتين كي يقر بفشل مغامرته الأوكرانية ويوقف الحرب، ويقتنع بأنه لن يحصد أي مقابل جيوسياسي من غزوه أوكرانيا ورفع مستوى المواجهة مع الغرب، وتلويحه باللجوء إلى السلاح النووي. واشنطن تدرك أن هذا السلاح لن يكون قابلاً للاستعمال بسبب الردع الأميركي.

وأخفقت روسيا وأوكرانيا في تطوير اتفاق الحبوب الذي توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة في آب (أغسطس) الماضي إلى اتفاق أوسع وأكثر استدامة. وتنحصر عمليات تبادل الأسرى بين الجانبين على عدد محدود من الجنود ولا يبدو مرجحاً تبني مبادرات إنسانية أشمل.

إذن، لا يزال الرهان على الميدان بالكامل. وإلى الآن لم يصل الجانبان إلى المرحلة التي تجعلهما يقتنعان بأن الدبلوماسية من الممكن أن تشكل بديلاً من القتال، لتحقيق أهدافهما.

وما يطرحه زيلينسكي يشكل سقفاً عالياً للتفاوض يجعل الروس غير قادرين على تقبله رغم الحديث عن قمة للسلام في آواخر شباط (فبراير). ومن الجانب الآخر، لا تزال الشروط التي يتحدث عنها بوتين بعيدة كل البعد من إمكان استجابة القادة الأوكرانيين لها.

الهوة بين الشروط الروسية والأوكرانية عميقة جداً. ولا يوجد طرف ثالث قادر على استنباط مخرج للجانبين يجعلهما يجلسان إلى طاولة واحدة. وهذه مهمة كان من المفترض أن تتنكبها الولايات المتحدة. لكن روسيا تعتبر أميركا طرفاً في الحرب، ما يجعل من غير الممكن القبول بمقترحاتها.
حالة الفراغ الدبلوماسي تصعّب الأمور وتجعل كلاً من روسيا وأوكرانيا لا تعولان سوى على الجبهات، وتبدوان في انتظار ذوبان الثلوج لبدء مرحلة أشد ضراوة في هذه الحرب.