لا لزوم للتوقف عند الذكرى الثانية لاغتيال لقمان سليم. أو الذكرى 18 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وما بينهما ممن وردت أسماؤهم على «لوائح الإعدام». لا لزوم للتوقف عند هذه الحوادث العابرة. ولا نفع لإحياء الذكرى. فالقضاء خضع وانتهى الأمر.

وهذا القضاء ينطبق عليه قول لقمان إنّ «مَنْ يَلْزَمِ الصَّمْتَ اليَوْم، لَنْ يُحْسِنَ العُوَاءَ غَدًا...»، وانطلاقاً من هذه المعادلة التي تم فرضها على القضاء «الصامت» في لبنان، تمكن منه «خفافيش الظلام»، كما وصفهم.

لو أنّ العدالة سلكت مسلكها، عندما ألصقوا على بابه لافتة كتب عليها «المجد لكاتم الصوت»، لربما كان من الممكن إنقاذه من إصدار قرار تصفيته. وما حصل مع لقمان، سيحصل مع آخرين عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. فكل موقف وكل كلمة فاعلة ومرتبطة بـ»صفر خوف» سيلقى صاحبها مصير لقمان ورفاقه السابقين. وربما اللاحقين.

ولم لا، ما دام التحقيق بجريمة اغتياله، وبعد عامين، لا يتجاوز ورقة فارغة من المضمون، تماماً كما هو التحقيق في اغتيال سمير قصير وجبران تويني ووسام عيد ومحمد شطح وجو بجاني وغيرهم ممن وردت أسماؤهم على «لوائح الإعدام» التي لا يجرؤ أي قضاء في لبنان على مساءلة من قتلهم.

هذا القضاء فهم الرسالة مبكراً، وها هو اليوم يعمل وفق أجندتهم، ويوقف كل من يرفع صوته ويطالب باستكمال التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت. يريحهم مثل هذا القضاء، يوفِّر عليهم إقلاق «كتيبة الإعدام» بتنفيذ جرائم جانبية لا تخدم بشكل مباشر الاستراتيجية الرئيسية لمشغلهم.

وهم لا يتهاونون في التعامل مع «الكلمة» التي تصدر عمن هو مثل لقمان، وتحديداً تلك المقرونة بعمل دقيق وعلمي كالذي كان يتقنه، وبأسلوب لا يألفوه ولا يريدونه. فمثله ومثل كل قائد فكر يشكل خطراً على مشروعهم، ومن دون تردد، يعملون على إلغائه.

ولاستمرارية هذا المشروع، ممنوع بقاء من يشكِّل انفتاحاً في حين أنّ التقوقع الطائفي والمذهبي هو المطلوب. فهم «يمانعون» كل مطالبة بدولة مدنية يُحترم فيها الإنسان كمواطن وليس كفرد من قطيع. باختصار، المواطنة ممنوعة وفق أجندة المحور الذي أعلن أنّه يسيطر على بيروت من ضمن عدة عواصم عربية.

وهم لم يغتالوا الاقتصاد والأمان المالي لجميع اللبنانيين، ليأتي من يزعجهم مثل لقمان سليم أو سمير قصير أو جبران تويني أو محمد شطح، ممن علينا أن لا ننساهم، في حين يبقى المطلوب هو الاستنسابية في طرح الأزمات، كحقوق المسيحيين مثلاً، أو إثارة مسألة الغبن السني، بما يعمق الشرخ في المجتمع اللبناني، ويرفع المتاريس بين أبناء الوطن الواحد.

أمّا أي مطالبة بالعدالة من شأنها أن تلغي المتاريس، كما في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وتحديداً إذا صدرت المطالبة عن أطراف لا يتوقفون عند الفرز الطائفي، فالأمر ممنوع، ولنا في المجزرة التي أبادت مفهوم العدالة واستقلالية القضاء خير مثال.

إذاً، على الساعين إلى العدالة والقضاء الحر المستقل أن يصمتوا ويلجموا مواقفهم الصاخبة قبل أن يصل الدور إليهم، إذا لم تنفع التوقيفات الاستنسابية، ما دام لبنان ساحة الجريمة سائبة.

وعلى اللبنانيين أن يتفهموا. فالتحديات التي كانت ولا تزال تواجه أصحاب المشروع، تبرر مصادرة السيادة، لذا كان يجب الغاء كل من يقف حجر عثرة في طريقهم أو يشوه سمعتهم أو يشوش على إنجازاتهم، فينتهي ببضع رصاصات. لن تغير المشهد العام. ولن تقوِّض مسيرة حريصة على إبادة كل من يفكر بطعنها في ظهرها!!