أمس، الخامس من فبراير/ شباط، مرّت عشرون سنة على «كذبة القرن» الأميركية التي أدت إلى تدمير العراق وتشظيه واستباحة أراضيه، وانتهاك سيادته. لم يكن وضع العراق قبل هذه الكذبة بخير أو مثالياً، لكنه كان دولة ذات سيادة، وكان يمكن لشعبه أن يفرض بإرادته خياراً ديمقراطياً في الحكم نابعاً من إرادته، حتى لو استغرق ذلك وقتاً، أما «الديمقراطية» الأميركية التي انطوت عليها تلك الكذبة، فلم تكن سوى زيف سياسي وإعلامي أريد به تدمير العراق، وهو السيناريو الذي تحقق بحذافيره كما أريد له.

في ذلك اليوم من العام 2003، وقف كولن باول، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، أمام مجلس الأمن الدولي ممسكاً بيده أنبوب اختبار صغيراً يحتوي على مسحوق أبيض، ليؤكد أنه يقدم أدلة وصفها بـ«الدامغة» عن إخفاء العراق أسلحة الدمار الشامل، في خرق للقرارات الدولية.

زعم كول «أنّ ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل»، مدعياً أنه يملك تسجيلات لمحادثات هاتفية بين مسؤولين عراقيين تدلّ على قيام العراق بتضليل وخداع مفتشي الأمم المتحدة، كما عرض صوراً التقطتها الأقمار الصناعية، اتضح أنها مفبركة، تشير إلى أن العراقيين يمتلكون معلومات عن زيارات المفتشين الدوليين، وقاموا بإجراء تغييرات استباقاً لزيارة هؤلاء المفتشين لتلك المواقع، مواصلاً مزاعمه بامتلاك العراق علاقات مع تنظيم «القاعدة» الإرهابي، الذي هو، كما بات القاصي والداني يعلم، صناعة أميركية بامتياز.

بعد عامين من الغزو الأميركي، بمشاركة بريطانية، لأراضي العراق عبّر باول عن ندمه على هذا الخطاب ومساهمته في الغزو، مؤكداً أن ما ألقاه أمام مجلس الأمن سيظل نقطة سوداء في ملفه. وقال: «إنه فعلاً نقطة سوداء لأنني كنت أنا الذي قدمته باسم الولايات المتحدة إلى العالم، وسيظل ذلك جزءاً من حصيلتي».

ما جدوى هذا الندم، في وقت لا نفع فيه للندم، خاصة أنه أتى من فرد، بصرف النظر عن الموقع الذي كان له لحظة تقديمه خطابه المليء بالأكاذيب، وليس من الدولة التي قامت بالغزو، وكلفت العراق ثمناً باهظاً، لا يزال يدفعه حتى اليوم، فواشنطن لم تعتذر عما فعلت، بل إنها محط اتهام عربي واسع بتورطها في مشروع لتدمير منظومة الأمن العربي تحت شعارات من نوع «الفوضى الخلاقة» لينشأ عنها «شرق أوسط جديد» بالمواصفات الأميركية.