النظام العالمي الجديد الذي نشأ بعد الحرب الباردة عام 1991، أصبح الآن، لا يعمل بالشكل الذي كان عليه في السابق. فهذا النظام، عندما ولد، وضع لنفسه برنامجا مكونا من عشر نقاط- على أساس المسودة التي طرحها جون وليامسون عام 1989- سمي بإجماع واشنطن"Washington Consensus". ومن ثم ولدت منظمة التجارة العالمية، التي اتفق مؤسسوها، على إطلاق العنان للسوق والشركات متعددة الجنسية وتقليص دور الحكومات في الاقتصاد.

وهكذا، أصبحت السوق الحرة لغة النظام الجديد وأيقونته المقدسة، وكما لو أن العالم قد عاد أدراجه خطوات للقرن التاسع عشر نحو رأسمالية مانشستر "Manchester"، هذه المدينة البريطانية، التي تحولت بحلول عام 1835 إلى أكبر مدينة صناعية في العالم، وذلك تحت شعار دعه يمر دعه يسير "Laissez-faire".

ولكن، ومثلما تبين الآن، فإن ما ترفعه الدول الصناعية من مبادئ، ما هي إلا شعارات مؤقتة وآنية لخدمة مصالحها. وتساؤل معالي وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، عن أنصار اتفاقية المناخ، الذين كانوا وإلى الأمس القريب يرفعون عقيرتهم بالصراخ، منادين بالحفاظ على البيئة، ويعارضون استخدام الوقود الأحفوري المؤدي إلى الانبعاث الحراري، هو تساؤل في محله، فلقد اختفى أنصار المناخ، وأصبحوا أكثر من يستخدم الخشب والفحم الأكثر ضرراً على البيئة.

بالفعل، فإن ازدواجية المعايير، قد أصبحت سمة النظام العالمي. فهم يعادون أوبك ويتهمونها بالتدخل في آلية السوق. ولهذا، لا ينسقون معها بخصوص حصص الإنتاج، الأمر الذي أدى وسوف يؤدي إلى أزمات متكررة في سوق الطاقة. وقد سبق وأن أشرت، أثناء اضطراب أسواق الطاقة في أبريل عام 2020، إلى أن التنسيق بين منتجي الغاز الصخري وأوبك+ حول حصص الإنتاج، بإمكانه إنقاذ سوق الطاقة من الأزمات. بل واقترحت إنشاء أمانة عامة للطاقة تجمع أوبك+ ومنتجي الطاقة في الولايات المتحدة. وقتها أعترض البعض، باعتبار أن ذلك شبه مستحيل نتيجة التزام الطرف الثاني بآلية السوق.

ولكن أين هم أنصار السوق عن القرارات التي اتخذتها مجموعة السبع، وفيما بعد الاتحاد الأوروبي، عندما فرضوا سقف على سعر النفط الروسي. أين هم أنصار ايقونة السوق المقدسة التي لا تمس؟ لقد ضربوا بها كالعادة عرض الحائط عندما اقتضت مصالحهم. وكما لو أن الاتحاد السوفيتي المعادي للسوق قد بعث إلى الحياة من جديد.

ولذلك، علينا أن لا نستغرب إذا رأينا عدم كفاءة عمل النظام العالمي الجديد. فالسياسات التي تتبعها الدول الرائدة فيه، هي سياسات آنية ومصلحية، وبلا أساس اقتصادي يعتد به. ولذلك لا تعمل بكفاءة ولا تجد لنفسها تأييد في الكثير من بلدان العالم، نتيجة الأضرار التي تلحقها بهم تلك السياسات قصيرة المدى.