الزلزال الذي ضرب مناطق شاسعة في تركيا وسوريا كان كارثياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، خاصة في ما يتعلّق بعدد الأرواح التي أُزهقت تحت ركام المباني، فقد أودى بعائلات بأكملها، إضافة إلى حجم الدمار في المنازل والمنشآت.
وإذا كانت كارثة الزلزال من صنع الطبيعة فإن كارثة أخرى موازية من صنع الإنسان بدأت تظهر منذ اليوم الأول. فقد لجأت حسابات عديدة في وسائل التواصل الاجتماعي إلى نشر مقاطع فيديوهات لزلازل وفيضانات لم تقع في تركيا وسوريا، وإنما في مناطق أخرى من العالم، لكن محبّي الشهرة ادعوا أن تلك المشاهد حدثت في البلدين المنكوبين، حباً في الحصول على أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين، ما زاد من معاناة ومخاوف المواطنين، وهذا ما يُسمّى الاتجار بمصائب الناس والدول، وهو عمل لا إنساني على الإطلاق.
وفي السياق ذاته دأب كثيرون على نشر إشاعات ولعبوا أدوار اختصاصيي الزلازل والهزات الأرضية، وحذّروا من وقوعها في أماكن لم تتعرّض للكارثة، أو أصابتها لكن لم تترك دماراً أو ضحايا، فاضطر السكان إلى البقاء خارج بيوتهم، في طقس عاصف وشديد البرودة، وهذه أيضاً تجارة لا إنسانية هدفها اللعب بأعصاب الناس.
وبموازاة ذلك، خرج إلينا عشرات المنجمّين الذين نشطوا في بث الرعب في مواطني البلدين المنكوبين والدول المجاورة، وتنبأوا بزلازل بقوة 10 درجات وفق مقياس ريختر ستضرب المدينة الفلانية والمنطقة الفلانية. والأغرب من ذلك أنهم يقسمون بالله، ويدّعون أنهم تلقوا المعلومات من أسيادهم الروحانيين ومعلميهم، حتى يُؤخذ كلامهم على محمل الجد.
وعلى الجانب الآخر ازدهرت نظرية المؤامرة، وانتشرت مقالات كثيرة تتحدث عن تفجير نووي في قاع البحر، كما تحدث البعض، ومنهم إعلاميون في تلفزيونات معروفة، عن برامج ترعاها الدول الكبرى تتحكم في المناخ، ويمكنها توجيه الأعاصير واللعب بطبقات الأرض، وافتعال الزلازل والفيضانات، ومنهم من قال إن الدول العربية والإسلامية مستهدفة.
وهناك من لعب على الوتر السياسي في بث مقالات عن تعمّد في منع وصول المساعدات إلى المناطق التي تديرها المعارضة السورية، رغم أن الدولة السورية صرحت منذ اليوم الأول باستعدادها لإيصال المساعدات إلى أي منطقة في سوريا. وهناك من قارن بين حجم المساعدات التي وصلت إلى تركيا وتلك التي وصلت إلى سوريا. هؤلاء، أصحاب نظرية المؤامرة والشائعات، نسوا الحالة الإنسانية شديدة الصعوبة، وانشغلوا بالبحث عن المتسبّب في الزلزال، وبالجهات التي تمنع وصول المساعدات.
يعتقد البعض أنه في أوقات الكوارث تخرج القطط السمان، الإعلامية والتجارية، لتحقق أقصى استفادة من المصيبة، وفي عصرنا الإلكتروني، من الطبيعي أن تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بالغث والسمين من المعلومات، وأن ينشط الطابور الخامس فيلعب على التناقضات، ونحن نقول إن هذا الأمر الطبيعي يجب أن يسقط أمام المعاناة الإنسانية البشرية والمؤسساتية، ويجب أن تُلجم الأصوات المغرضة والناشزة، وأن تؤجل عبثها ونواياها السيئة، على الأقل، إلى أن تنتهي الكارثة.
وهنا تبرز إلى السطح مرة أخرى أهمية فرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات الكوارث الطبيعية والحروب، وأن تتم ملاحقة الأشخاص الذين يعبثون بأعصاب الناس وسلامتهم، وأن يُعاقبوا عقاباً شديداً. والأجدر بهم القيام بأعمال الدعم والمساندة وتأمين المساعدات المادية والمالية للمتضررين، ونعتقد أن حجم الكارثة الحقيقي سيتضح بعد الانتهاء من البحث عن ناجين، ومعرفة العدد الحقيقي للضحايا والأضرار المادية، وستتضح الأضرار النفسية والعاطفية للناجين، لا سيما الأطفال الصغار، خاصة الذين فقدوا أهاليهم وأولياء أمورهم، وكذلك الآباء والأمهات الذين فقدوا جميع أبنائهم.
الدعم العربي والعالمي كان واضحاً للدولتين من دون تفريق، ودولة الإمارات العربية المتحدة، كعادتها كانت من بين الدول الأولى التي هبت منذ اليوم الأول لمساندة الشعبين السوري والتركي مالياً ولوجستياً، ولا منّة في ذلك، وستواصل توفير الدعم المادي والمعنوي والنفسي من خلال المساهمة في إعادة إعمار البيئة والإنسان، وإننا نحمد الله على التزام الشعب الإماراتي بأخلاقياته في تعامله مع الحدث. نرجو من الله اللطف.
التعليقات