لم أعد أتذكر عدد المرات التي سألني فيها أحد أقاربي في تونس عمّا إذا كنت أعرف عروسا ثرية وجميلة في لندن، تؤمّن له عيشا رغيدا وتنقذه من حياة الفقر، فأمازحه كالمعتاد بقولي “لم أعثر لك على صيد سمين”، فيخبرني دون تحفظ أنه قد خرج للتو من علاقة حب افتراضية فاشلة، لم تكن الأولى ولا الأخيرة في حياته.

تناقضت علاقات قريبي الافتراضية؛ أعمار متفاوتة، وبيئات غير متشابهة، ومعظم النساء اللواتي يطمح للارتباط بواحدة منهن موجودات في دول أوروبية تفرض قوانينها تأشيرة سفر معقّدة تتساوى فرص رفضها وقبولها، ولا يعرف شيئا عن واقعهن الاجتماعي والعاطفي، ومع ذلك لا يكل ولا يمل من تكرار المحاولة في انتظار أن “تغمز صنارته” التي يرميها في كل مرة محملة بعبارات الغزل والتودد.

ورغم أن قريبي يدرك تماما أن ذلك ليس كافيا للعثور على الزوجة التي تتناسب مع طموحاته وتحقق له أحلامه، فإن إيمانه بالحظ السعيد يمنحه شعورا أكبر بالتفاؤل، بل ويخلق لديه “تصورا خياليا”، يمكنه في إطاره أن يراكم مشاعر إيجابية؛ تبدأ بالنقر على أزرار الكمبيوتر وتتطور حتى تصل إلى لحظة “الذروة العاطفية”، حتى لكأنه أصبح أسيرا للشبكات الاجتماعية التي يعتقد أنها ستوفر له ما يشبه “المعلبات الجاهزة” التي بداخلها زوجات، سيختار منها المرأة التي يرغب في الزواج بها، لكن معظم علاقاته الافتراضية تبدأ بآمال كبيرة، ثم تحيد عن المسار الخطي المؤدي إلى حياة هانئة وغنية.

بدأت أول تجربة لقريبي مع العلاقات الافتراضية منذ كان فيسبوك فتيا نسبيا، لكنه بعد بضع سنوات وجد نفسه متشابكا مع فيسبوك وإخوانه الجدد يبحث عن “ثروة العروس”، في رحلة افتراضية قادته إلى تجريب مختلف مسارات المواعدة عبر الإنترنت، إلا أنه لم يدرك إلى اليوم أنه “يوجد طريق واحد للسعادة، وهو أن يتوقف عن القلق بشأن الأشياء التي تقع وراء قوة إرادته” كما قال الفيلسوف الروماني إبكتيتوس.

على كل حال، لا يمثل قريبي استثناء، بل شأنه في ذلك شأن الملايين من الشباب الأقل حظاً في الحياة، ممن يغويهم فيض المضامين المُصوّرة التي يطالعونها على مواقع التواصل الاجتماعي عن أصحاب الثروات، ما يجعلهم يريدون مجاراة الآخرين، فلا يستطيعون الخروج من دوامة المقارنات، ويتصرفون وفق القاعدةً الجديدةً التي تفرضها عليهم التطبيقات، وهي محاولة إيجاد موطئ قدم لهم في العالم الثري.

وفي النهاية، يبدو الإقلاع عن المواعدة عبر الإنترنت أمرًا أصعب من أن يُطلب من غالبية الناس اليوم، خاصةً لأنها تجعل مشاعرهم الدفينة تعود إلى الحياة، ويبدو أن “الحواس الرقمية” توفر لهم دفعة ثابتة للسعادة، خاصة للنساء اللواتي فاتهن قطار الزواج والرجال الباحثين عن لحظات رومانسية فارقة في الأسواق الرقمية الرائجة، التي تبيع “الحب” كالمعلبات الجاهزة.

العرب اللندنية