يبقى الاحتفال بيوم التأسيس للمملكة، ذكرى خالدة، لها قيّمها وثوابتها الوطنية، التي انطلقت منها هذه البلاد الطاهرة، مُعلنة عن نفسها، دولة قوية وأبية، لها تاريخ تليد، وقاعدة راسخة، انطلقت منها، عنوانها "العزيمة والإصرار" من أجل إعادة صياغة التاريخ الإنساني، وتعزيز تجربة التحول من وطن مشتت ومتناحر، ينتشر فيه الجهل والمرض والفقر، إلى وطن متماسك، يتمتع بكل عناصر القوة والتطور والازدهار، تحت ظل قيادة رشيدة، صنعت المستحيل من أجل المواطن.

تجربة التحول، ستبقى شاهدة على إرادة المواطن السعودي، ورغبته في العيش بكنف دولة استثنائية، تشاركت فيها قوة الدولة مع قوة الدين، في تجربة تأسيس دولة، عمرها الآن ثلاثة قرون. وهو ما أثمر عن ميلاد الدولة السعودية الأولى في عاصمتها الدرعية، وصولاً إلى المملكة الثالثة اليوم، وعاصمتها الرياض.

يجب لفت الانتباه أولاً إلى أن تجربة تأسيس دولة من قبائل متنافرة ومشتتة، لم يكن سهلاً، إذ احتاج الأمر إلى حكمة القادة، وذكائهم، فضلاً عن الصمود والإرادة، الممزوجين بالرغبة الصادقة في إزالة أسباب التناحر والفرقة في شبه الجزيرة العربية، وجمع القبائل تحت كلمة واحدة، وهنا تطلب المشهد بذل الكفاح والتضحيات الجسام، من أجل تأسيس المملكة، وإطلاقها كدولة عصرية، تحمل اسم "المملكة العربية السعودية"، التي كانت حصاد السيطرة على الصحراء الممتدة بمساحات شاسعة، تحت مظلة واحدة، وقيادة حكيمة شامخة؛ رغبت الخير للجميع، فحققت كل ما سعت إليه وخططت له.

كانت بداية تأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود في عام 1139هـ، هذا التأسيس كان النواة التي بُني عليها ذلك الصرح الوطني، الذي استمر نحو 100 عام (1139-1233هـ)، وما لبث للعودة مجددًا بعد سبع سنوات على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود في الفترة من 1240-1309هـ التي كان فيها تأسيس الدولة السعودية الثانية، ولتُستكمل المسيرة بعد 10 أعوام، قيض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود لمتابعة مسيرة بناء الدولة، والنهوض بها، منذ العام 1319/‏1902، وكان ذلك تأسيسًا للدولة السعودية الثالثة، وتوحيدها باسم "المملكة العربية السعودية"، والتي توالى قيادتها أبناء الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فساروا على نهجه في تعزيز بناء الدولة والحفاظ على وحدتها واستقلالها.

أستطيع التأكيد على أن الاحتفاء بيوم التأسيس، ذكرى مهمة استحضرت التاريخ السعودي القديم بكل ما فيه من دروس وعبر وقيم نبيلة، وأدرجته جزءاً لا يتجزأ، مع التاريخ السعودي الحديث، لتكتمل قصص كفاح الإنسان السعودي، وتظهر ملامح رغبته وإصراره على بناء دولته الحديثة كيفما يشاء، هذه القصص بما حملته من تفاصيل كثيرة مهمة، تعزز من الانتماء والولاء الذي يشعر به كل مواطن ومواطنة، تجاه المملكة وقادتها، ويحقق الربط بين ما قامت عليه الدولة السعودية الأولى منذ 3 قرون، وما بين ما نعيشه اليوم من ازدهار وتمكين.

وعندما تحل ذكرى يوم التأسيس، علينا أن نفتخر بما أنجزه أجدادنا وقادتنا على أرض الواقع من سلسلة بطولات تستحق التأمل فيها، سيسجلها التاريخ السعودي بمداد من ذهب، كما علينا أن ننعم بوطننا المزدهر، ونتباهى به بين الأمم، وهو كفيل بترسيخ قيم الاعتزاز بالمملكة، والذود عنها في كل الأوقات، حتى يكون الوطن آمنًا ومستقرًا، وفي الاحتفاء بهذه الذكرى، إحياء للدروس والعبر، في تأسيس الدولة السعودية الأولى، وصولاً إلى المملكة الثالثة، التي ننعم فيها اليوم بالأمن والأمان، ونحن نتذكر كيف كانت المملكة وكيف أصبحت.