تعرف تقنية ميتافيرس على أنها مفهوم متكامل للعالم الافتراضي، وتم ذكره لأول مرة في رواية الخيال العلمي بعنوان Snow Crash لنيل ستيفنسون في 1992.

وتدفع الشركات العملاقة مثل مايكروسوفت وميتا Meta وEpic Games لتطبيق تقنية ميتافيرس وتنفيذها من خلال إنشاء إنترنت "الجيل الجديد أو التالي" أو بما يعرف بإنترنت ثلاثي الأبعاد.

وتمثل هذه التقنية رؤية لما يعتقده كثيرون في صناعة الحاسب الآلي على أنها الجيل الجديد للإنترنت من خلال تزويد مساحة افتراضية ثلاثية الأبعاد، وأن تكون فردية ومشتركة في آن واحد ومثيرة وثابتة، حيث يعيش البشر الحياة بمسميات رقمية تدعى أفتار Avatar ولا يستطيعون عمل ذلك في العالم الواقعي.

ويتم تسهيل تقنية ميتافيرس من خلال استخدام عدد من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل: الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط والواقع الممتد والبيانات الضخمة وسلاسل الكتل، وإنترنت الأشياء والتشفير والتوأمة الرقمية والعملات الرقمية. إن المنظمات الرائدة ستدفع حدود العالم الافتراضي لجعله أكثر واقعية، ما سيزيد الحاجة إلى المثابرة والتنقل السلس بين العالمين الحقيقي والافتراضي، وأن تلك المنظمات ملتزمة بصدقية أصل بياناتها بما في ذلك الاستخدام الحقيقي للذكاء الاصطناعي.

لذلك أصبحت تلك المنظمات تخطط للشراكة للأعوام المقبلة مع آخرين لمعالجة التحديات التي لم يكن من الممكن معالجتها وحلها مسبقا باستخدام حوسبة الجيل التالي.

إن تقنية ميتافيرس تستوعب بيانات ضخمة، لكن تستهلك طاقات كبيرة، حيث إن معاملة بطاقة ائتمان واحدة في العالم الواقعي قد تستهلك نحو 150 كيلو واط/ساعة من الطاقة، بينما تستهلك المعاملة في ميتافيرس باستخدام العملة الرقمية (بيتكوين) 14 ضعف هذا المبلغ بما يقارب 2100 كيلو واط/ساعة. وبالتالي عمدت شركات كبرى، مثل ميتا، إلى استخدام الطاقة المتجددة لتفادي الاستهلاك العالي والانبعاثات الكربونية.

وما لم نشهد بعض التحسينات في قدرات الحاسب الآلي في الأعوام الخمسة المقبلة، سيظل مستقبل ميتافيرس غير مؤكد، لأن أهداف الاستدامة طويلة الأجل للشركات الكبرى تبدو غير واضحة على الرغم من أن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة يعد بداية جيدة.

تمتلك ميتافيرس إمكانات هائلة لقطاع ثقيل الأصول، مثل الطاقة والكهرباء والمياه، التي تعتمد على أصول منتشرة، وصناعة الكهرباء والمياه ليست جديدة على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، حيث تتجه المرافق نحو الشبكات الصغيرة من الاستفادة من إدارة العقود الذكية وتسهيل التداول بين المنتجين والمستهلكين، ولا عجب أن تقنية ميتافيرس ستحدث ثورة في طريقة إنتاج الطاقة والمياه وتوزيعها وبيعها واستهلاكها.

إن العالم يدرك حجم التغييرات المطلوبة في صناعات الطاقة والكهرباء والمياه، حيث تكون المركبات الكهربائية والمضخات الحرارية ومصادر الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة قريبا في كل مكان وجميع المباني الجديدة صفرية في الإنشاء والتشغيل، وستتصل بسلاسة مع أسواق الكهرباء المحلية.

وسيبدأ الهيدروجين الأخضر بالتوسع، وستظهر ابتكارات جديدة أخرى مثل شحن المركبات الكهربائية وتفريغها. وكما أن مراقبة جودة المياه وتوافرها سيكونان في يد العميل، مع تسهيل مراقبة شبكات التوزيع.

وتعد صيانة أصول الإنتاج البعيدة ومراقبتها مهمة مرهقة نظرا إلى انتشارها الجغرافي، وتعالج ميتافيرس هذا التحدي من خلال تمكين زيارة المواقع الافتراضية وتدريب الموظفين الميدانيين والمساعدة عن بعد للقوى العاملة الميدانية والصيانة بأكثر الطرق فاعلية من حيث كفاءة التشغيل وتقليل التكاليف وتحسين وتطوير إنتاجية القوى العاملة بشكل كبير بدعم من التحليلات المتقدمة.

إن محطات الطاقة الكهربائية والمياه الافتراضية هي نسخ يتم إنشاؤها على السحابة بدعم من أجهزة إنترنت الأشياء، وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط، التي يمكن أن تساعد على تبسيط العمليات عن بعد، بل يمكن عرض أصول الطاقة الكهربائية والمياه بالكامل بتنسيق ثلاثي الأبعاد وتشغيله بالكامل.

إن دور التقنية في مشاركة المعلومات في الوقت الفعلي وعمل التحليلات واتخاذ الإجراءات التصحيحية سيصبح أكثر أهمية. وقد يعمل النظام الكهربائي والمائي بأكمله كعالم افتراضي واحد، ويكون مفيدا ليس فقط في تحسين القوى العاملة وإنشاء مراكز تشغيل مشتركة فحسب، لكن أيضا في المراقبة فعليا للأصول بطريقة أكثر شمولا وفاعلية.

وتتيح التنبيهات والإشارات التلقائية تحديد المشكلات والاختناقات وحلها بشكل أسرع لتقليص وقت التوقف عن العمل أو الفشل، كما تمكن الممارسين من تعلم ديناميكيات الصناعة بطريقة أسهل وأكثر مرونة. ولذلك سنرى تجاوبا مذهلا في العالم الافتراضي من قبل خدمة العملاء، حيث تفتح مرافق الكهرباء والمياه مكاتب افتراضية لاستقبال العملاء والتحدث معهم والاجابة عن أسئلتهم سواء ما يتعلق بفواتير الكهرباء والمياه والأعطال ومدة توصيل الخدمة وغير ذلك، بل ربما يكون العالم الافتراضي بيئة جاذبة لإقامة دورات تدريبية للجمهور في كيفية تركيب الألواح الكهروضوئية الشمسية وتشغيلها وصيانتها وكيفية مراقبة تسربات المياه داخل المباني.

في الختام، يدخل العالم مرحلة جديدة من تحول الطاقة والمياه، ويجب أن تعد المرافق نفسها للمتطلبات المتغيرة والمتلاحقة بوتيرة سريعة.

ويمكن القول إن ميتافيرس ستوفر الأساس المثالي للمنتجات والخدمات ونماذج الإيرادات الجديدة التي ستظهر خلال العقود المقبلة، على الرغم من التحديات الحالية لهذه التقنية.

ومع هبوب الرياح الرقمية، سيتغير معها عالم الطاقة والمياه بشكل كبير، ويجب على المرافق إعادة تصور نهجها بالكامل لنماذج أعمال جديدة تماما.

ولا يمكن لأي منظمة تشغيل هذه النماذج على أساس التقنية أو الفكر الخاص بها، بل ستحاول كل منظمة البقاء على قيد الحياة في هذا العالم الرقمي. وسيكون الفائزون في تلك التحديات هم أولئك الذين يعدون أنفسهم على أفضل وجه تحسبا واستعدادا لما سيطرأ في المستقبل من تقنيات مستجدة.