مَن بوسعه أن ينسى الصورة الشهيرة التي انتشرت في مطالع سبعينات القرن الماضي، خاصة من أدركوا تلك المرحلة، للطفلة الفيتنامية، فان ثي كيم فوك، ذات السنوات التسع، المعروفة باسم «فتاة النابالم»؟ تلك الصورة انتشرت على نطاق واسع يومها، وقدّمت كدليل على وحشية جرائم الحرب الأمريكية ضد شعب فيتنام المطالِب بحريته، حيث بدت الطفلة تركض عارية، وتصرخ من الألم بعد أن أسقطت طائرة أمريكية قنابل النابالم على قريتها.

ومنذ أقلّ من عام فقط، أنهت «فتاة النابالم» آخر جولة علاج لبشرتها مع أخصائي حروق، بعد 50 عاماً من إصابة قريتها بالمواد الحارقة، حيث قضت بعد إصابتها أكثر من عام في المستشفى تعاني من ألم مستمر. لم تعد فوك طفلة، إنها اليوم أمّ وجدّة، لكنها ما زالت تشعر بالخجل من صورتها تلك لكونها عارية، حيث احترقت ملابسها وجلدها بتأثير النابالم، حتى أنها في السنوات التي أعقبت إصابتها كانت على وشك الانتحار، لأنها عاشت صدمة نفسية، وآلاماً جسدية شديدة.

فوك ليست سوى واحدة من عشرات آلاف ضحايا حرب أمريكا على فيتنام، بل لعلها محظوظة بأن القدر كتب لها النجاة من الموت، رغم بشاعة ما عانت منه. وما كان العالم سيعرف معاناتها لولا المصوّر نيك أوت، الذي وثق لحظة إصابتها، وسلّط الضوء على مآسي حرب فيتنام، وحصل عن تلك الصورة على جائزة «بوليتزر» الصحفية.

لا نتذكر فوك الفيتنامية وحدها. ها هي وثائق بريطانية طازجة تكشف أن لندن كانت واثقة من عدم صحة مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، أو صواريخ بعيدة المدى، قبل غزوه بعامين على الأقل، ولكنها اختارت أن تكون شريكة لواشنطن في حربها عليه. لا جديد في هذا القول. مضى زمن منذ أن اتضح زيف مزاعم أمريكا، حين أمسك وزير خارجيتها، يومها، كولن باول بالكبسولة الشهيرة بين أصابعه، في مشهد تمثيلي متقن أمام مجلس الأمن، تمهيداً للحرب التي أدت إلى تدمير العراق، ونزوح ملايين العراقيين، واقتراف جرائم لن تنسى.

مع ذلك لم تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف لا بحق من حرقوا الأبرياء في فيتنام بالنابالم، ولا بحق جورج بوش الابن، وطوني بلير، على ما اقترفاه بحق العراق وشعبه. كيف تريد لنا هذه المحكمة، وسادتها الذين يحركونها بالخيوط من وراء الكواليس، أن نثق بصدقيتها محل الشبهة، وهي تصدر قرارها بمحاكمة رئيس روسيا، بوتين، بسبب حرب أوكرانيا التي حولها يختلف المختلفون؟