رغم التحول الكبير الذي يشهده العالَمُ في معظم جوانب الحياة، ورغم المتغيرات التي تلف العالَمَ وتطمس بعضَ ملامحه وعاداتِه، فإن شهر رمضان بقي الاستثناء من حيث مكانته وقدسيته وحرْص المسلمين فيه على بعض المارسات الثابتة التي ميزته ولم تتغير منذ قرون، والتي تشمل كلَّ جوانب الحياة، بما فيها الجانب الديني والاقتصادي والاجتماعي، وبعض السلوكيات الغذائية والبروتوكولات الاجتماعية.
اكتسب شهرُ رمضان سمعتَه الدينية بجماليات لياليه وروحانياته وطقوسه الفريدة ومظاهره المتباينة حول العالَم الإسلامي، واكتسب أيضاً احترامَ العالَم لهذا الشهر وتقدير قيمته وقدسيته في قلوب المسلمين، وحظي هذا الشهر الكريم بتفاعل واسع للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء، ليصبح رمضان مناسبة ينتظرها ويقدّسها القاصي والداني، خصوصاً بعد انتشار وسائل التواصل وتقلّص المسافات بين سكان الأرض، والتعرّف على تقاليد وعادات الشعوب ومناسباتهم الدينية.
ولشهر رمضان الكريم مذاقٌ خاصٌ تصاحبه الأجواء الروحانية والمظاهر الجمالية والاستعدادات التي تبعث البهجةَ في النفوس، لا سيما التجمعات العائلية المتميزة بالأطباق المختلفة والموائد العامرة والزينات والفوانيس بأشكالها الكثيرة وألوانها الزاهية، وحيث تمتلئ المساجدُ بالمصلين وتصدح المآذن بالتلاوة الأخّاذة، يلفها عبقُ البخور والهيل والزعفران وموائد الخير احتفاءً بالشهر الكريم وبصيامه وقيامه. فشهر رمضان المعظم مناسبة جليلة وفريدة بالنسبة للمسلمين، وظاهرة لافتة في جمالها بالنسبة لغير المسلمين.
وفضلاً عن السباق المحموم لكسب الحسنات وتلمس الحاجات ومساعدة الناس وكل المظاهر الدينية الآسرة لهذا الشهر، فهناك سباق محموم أيضاً للأعمال الفنية والتلفزيونية المتميزة والمخصصة لشهر رمضان وحده، فالمسلسلات والبرامج الترفيهية تبدأ ببزوغ هلال رمضان وتنتهي بنهايته، لتقدم كل مؤسسة إعلامية مرئية كل جديد من أفكار وأعمال فنية لكبار نجوم العالم العربي، والتي يبدأ الإعدادُ لها في وقت مبكر جداً. إن لشهر رمضان مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، فهو الشهر الذي فضله الله تعالى وميزه عن بقية الشهور، ففيه نزل القرآن الكريم، وفيه ليلة خير من ألف شهر هي ليلة القدر التي يشحذ المسلمون هممهم لها وللدعاء والتضرع فيها إلى رب العباد، وفيه تتوحد القلوب وتجيش المشاعر تجاه المحتاجين والمعدمين. يصف البروفيسور والمؤرخ الأميركي «فالي نصر» شهرَ رمضان بأنه أكبر مناسبة دينية سنوية، ويحلل أهميته في ضوء الاهتمام الغربي بالإسلام والشعائر المرتبطة به، سياسياً ودينياً وجغرافياً.
ويحدد «نصر» خمسةَ عناصرَ أساسية ترتبط برمضان والتحولات المختلفة المحيطة به، فرمضان يرتبط بحركة تجارية ضخمة في العالم الإسلامي، وبينما تتراجع وتيرة العمل أثناء الصيام، وبشكل خاص في المؤسسات الحكومية، فإن الأسواق التجارية تعج بروادها، وتزداد حركة بيع السيارات وتنشط متاجر الأغذية ومحال الأطعمة وأماكن الترفيه الخاصة بالأجواء الرمضانية، لتتضاعف بذلك نسبة استهلاك المنتجات الغذائية مقارنةً بالأيام العادية.
وهذه مسألة يمكن تعميمها على الدول الإسلامية دون استثناء. كما يزداد نشاط الحركة الفنية والتليفزيونية، وما يرتبط بها من ارتفاع العائدات الإعلانية بدرجة كبيرة. ولا يقتصر الأمر على العالم الإسلامي فقط، فمبيعات أستراليا من اللحوم -مثلاً- ترتفع مع قدوم الشهر الكريم. وفي الختام.. من شاهد لويس بوينو، الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، وهو يغني: «رمضان جانا وفرحنا به»، سوف يفهم مكانة الشهر الكريم وعظمته في عيون العالَم.
*كاتبة سعودية