من اليمن إلى ليبيا، ومن السودان إلى سوريا، من تونس إلى لبنان، كلُّها تعاني من فراغ سياسي، ومن حالات عدم استقرار، بل إن بعضها يعيش في حالة قتال، ويمتنع من أن يلقي سلاحه، ويدخل في حوار يفضي إلى الاتفاق مع الطرف الآخر، فاستقرار وأمن يكون حصيلة هذا الحوار.

سنوات مضت بأوجاعها والخلافات المزمنة هي سيدة الموقف، ولا توافق على وضع معالجة للأوضاع السائدة في هذه الدول، ولا محاولة للجوء إلى العقل، وإلى التفكير الجاد لإنهاء ما أخَّر دولهم، وقتل أو إصاب العديد من المواطنين بفعل حروب لا طائل منها.

هناك تدخلات أجنبية مشبوهة تفسد أي توجه نحو تصحيح الأوضاع، والذهاب إلى الحوار الجاد، قوى أجنبية تغذي هذا الانفلات الأمني في هذه الدول، وتدفع به نحو تكريس هذه الحالة، حالة عدم الاستقرار لأهداف ومصالح خارج الوطن والمواطن، في ظل غياب الشعور بالمسؤولية، والارتهان لمصالح الدول الأجنبية لدى المسؤولين.

ومن المعيب أن يتدخل الأجنبي في تقريب وجهات النظر بين المواطنين، وأن يكون هذا الأجنبي هو من توكل إليه مهمة إنهاء الخلافات، والقبول بدخول أطراف أجنبية ليكون لها الدور في إنهاء ما عجز عنه المواطنون بسبب عدم الثقة بين أهل الدار لحل خلافاتهم، وتسوية ما هو عالق منها.

وهذه الثقة بالأجنبي ستظل ناقصة ومشكوكاً فيها، حتى وإن استسلمت الأطراف لها، وقبلت بمرارة بها، مع علمها بأن فاقد الشيء لا يعطيه، والأجنبي وإن أظهر حرصه على وضع حَدٍّ للخلافات فلن يكون ذلك إلا وِفق مصالحه.

إنَّ مشكلة ما تعانيه هذه الدول ليس بالضرورة أن أسبابها ودواعيها حرص كل طرف - كما يدعي - على المصلحة العامة، وحفظ حقوق المواطنين، وتنمية الدولة، وتجنب أي أضرار أو مؤامرات على وحدتها ومصالحها، فهناك - وما أكثرهم - من يتزعم المواقف، وهَمُّه الأول والأخير مصالح شخصية أو حزبية، بعيداً عن مصلحة الوطن.

وقد آن الأوان لكل مواطني هذه الدول وقادتها وأحزابها والنافذين فيها، أن يسرعوا في طي خلافاتهم، وأن يتفقوا على كلمة واحدة، تعتمد على الاهتمام بالوطن، وتصبُّ في مصلحة المواطنين، وتضع حداً للخلافات الآن، ولا تعود هذه الخلافات في المستقبل، متى كانت هناك أنظمة تشريعية وقوانين لا تسمح بإثارة الخلافات من جديد.

ولنا أن نتساءل: ماذا أفادتْ الأزمات الدولَ المشار إليها، غير الدمار، والعنف، وتوقف التعمير، وتواضع الخدمات الصحية والتعليمية، وفقدان الأمن، والخسائر البشرية، والإضرار بالمنشآت، وغياب أي تخطيط لتحسين الأوضاع، وخسارة علاقات التعاون مع الدول الأخرى.

إنَّ افتعال الأزمات لأهداف لا تلامس مصالح الناس، تحت أي شعار، ولأي سبب، والقبول بتغذيتها وتصعيدها من الخارج، هي خيانة وتفريط بحقوق المواطنين، وجر البلاد إلى أزمات قد يستعصي حلها، وفي أحسن الأحوال قد يطُول حلها، بعد أن تكون قد أكلت الأخضر واليابس، وأعادت البلاد تخلفاً وانهياراً إلى ما كانت عليه قبل سنوات.

وهكذا يكون قدر الناس حين لا يتعلمون من الدروس، ولا يستفيدون من تجارب الآخرين، ولا يصغون لما ستؤول إليه الخلافات والتناحر والتصادم والأطماع من أزمات مزمنة، ومن نهايات مأساوية، ومن فشل لاحق لمعالجة ما صنعته الأيدي والعقول من عبث بمقدرات ومستقبل البلاد.