الخامس عشر من إبريل/ نيسان عام 2023، يوم سيتذكّره السودانيون، باعتباره اليوم الذي شهد اقتتالاً محموماً بين القيادة العامة للجيش السوداني، وبين «قوات الدعم السريع».
بدأ الإفصاح عن مؤشرات هذا الصراع، قبل ثلاثة أيام من تاريخ الاقتتال، حين أعلنت القيادة العامة عن خروج قوات الدعم السريع عن توجيهاتها.
حديثنا ليس معنياً بتناول ما جرى من أحداث، إلا بقدر تأثيرها في أمن واستقرار ومستقبل السودان الشقيق. فالجيش، ظل منذ استقلال السودان قبل سبعين عاماً من هذا التاريخ، هو الضامن لأمن واستقلال وسيادة البلاد. وإذا ما أجرينا مقاربة موضوعية للفترة التي حكم فيها المدنيون السودان، وبين تلك التي حكم فيها العسكر، سنجد أن حصة الأسد كانت من نصيب الجيش.
لقد كان السودان حتى لحظة استقلاله جزءاً من وادي النيل، وتابعاً لمصر، طيلة سيطرة الحكم العثماني على مصر، وأثناء حكم محمد على باشا، وأحفاده. وبقي كذلك، حتى إعلان النظام الجمهوري في مصر في 23 يوليو 1952. وكانت مصر حتى قيام النظام الجمهوري، ترتبط بمعاهدات واتفاقيات مع بريطانيا تحد من استقلالها وحريتها. وبعد قيام الثورة في مصر، وافقت القيادة المصرية الجديدة على إجراء استفتاء في السودان، على استقلاله وتقرير مصيره، وترك مسألة ارتباطه بمصر لشعبه.
انقسم السودانيون، بين من نادى بوحدة نادي النيل، والاستمرار مع مصر، وأطلق عليهم «الاتحاديين»، وبرز من بينهم إسماعيل الأزهري، والحركة الختمية، وبين من طالب باستقلال السودان عن مصر، وعلى رأسهم حزب الأمة، الذي قادته الحركة المهدية.
لم يمض وقت طويل على استقلال السودان، إلا وتفاجأ السودانيون بأول انقلاب عسكري، قاده الفريق إبراهيم عبود في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1958. وقد تزامن هذا الانقلاب مع الإعلان عن قيام حلف بغداد، الذي ضم باكستان وإيران وتركيا والعراق. وآنذاك، اتهم قادة الانقلاب، بموالاتهم لأمريكا، ولسياسة الأحلاف التي كانت تجري في حينه، على قدم وساق. وقد ظل الفريق عبود ممسكاً بزمام السلطة حتى عام 1964، حين أطيح به، بانتفاضة شعبية أعادت الحكم المدني للسودان، وتناوب بعدها على رئاسة الحكومة، محمد أحمد محجوب، وإسماعيل الأهزي. والأخير هو الذي أشرف على انعقاد القمة العربية التي عقدت بعد النكسة، بمدينة الخرطوم، وخرجت باللاءات الثلاث.
لم يستمر الحكم المدني طويلاً، فقد أطيح به بانقلاب عسكري، قاده اللواء جعفر النميري، في مايو/ أيار 1969م. واستمر النميري في السلطة منذ ذلك التاريخ، حتى إبريل/ نيسان 1985م، بعد انتفاضة شعبية تسلّم على أثرها السلطة، بشكل مؤقت، قائد الجيش المشير سوار الذهب، الذي ظل في السلطة قرابة عام، سلّم الحكم بعدها للمدنيين، ليعود للوجوه السياسية القديمة من مهدية وختمية حضورها في واجهة الحكم. ولكن الحكم المدني هذا لم يستمر طويلاً، فقد أطيح به مجدداً، في شهر يوليو/ تموز عام 1989م، من قبل الجيش بقيادة الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، ومن خلفه الجبهة الإسلامية، وزعيمها الشيخ حسن الترابي. وبقي البشير في السلطة حاكماً مطلقاً للسودان حتى أطيح به في انتفاضة شعبية أخرى، في أبريل/ نيسان عام 2019.
ومنذ ذلك التاريخ، حتى هذه اللحظة، والسودان غارق في مناورات وفوضى سياسية، من دون توصل إلى صيغة اتفاق تنقل السلطة من المؤسسة العسكرية إلى الحكم المدني. وليكون الوضع الراهن هو التجسيد الكاريكاتيري للحياة السياسية في السودان، منذ لحظة استقلاله حتى يومنا هذا.
صورة المشهد الراهن، تعيد للأذهان الشبه الكبير بين السودان وبين الانقلابات الكثيرة التي جرت في باكستان منذ استقلاله. فالشبة كبير بين البلدين. فالأول انسلخ عن الهند، ضمن مشروع بريطاني. والسودان جرى سلخه عن مصر بإرادة خارجية. والبلدان كانا جزءاً من دولتين، كانتا حتى لحظة استقلالهما تحت الهيمنة البريطانية. والملاحظ أن البلد الأم، يشهد استقراراً وأمناً ووحدة سياسية يحسد عليها، كما هو الحال في الهند ومصر، حين يقارنان بالبلدين اللذين انسلخا عنهما.
فالهند تعتبر من البلدان التي نجحت فيها التجربة الديمقراطية. ولم تشهد منذ استقلالها انقلاباً عسكرياً واحداً. ويتم فيها تداول السلطة بسلاسة. ومصر، بقيت بعيدة نسبياً عن الانقلابات. والتغيرات الدرامية السياسية التي جرت فيها لا تكاد تذكر، حين تقارن بما جرى في السودان.
ليس علينا في الختام، سوى التضرع إلى الله، ان يجعل ما يدور في السودان برداً وسلاماً على أهلنا في هذا البلد العزيز، وأن يعيد للبلاد وحدتها، وأمنها، واستقرارها.
التعليقات