بعد تأكيدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتعهده بأن يخوض معركة الانتخابات الرئاسية، في العام المقبل، غير عابئ بالمردود السلبي لمحاكمته أمام القضاء الأمريكي، ولا باحتمال إدانته، وبعد تلميحات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنه سيخوض هو الآخر تلك المعركة، أضحت معالم المشهد الانتخابي الأمريكي واضحة بدرجة كبيرة، وأبرزها بالطبع، أنه من المحتمل أن يحظى ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، ويتفوق على منافسه رون ديسانيتس، حاكم فلوريدا، وبذلك سيكرر المشهد الانتخابي لعام 2020 نفسه، بكل ذكرياته المأساوية.
وهنا يجدر التوقف أمام ملاحظتين مهمتين، الأولى تتعلق بالأسباب الحقيقية الكامنة وراء إصرار الرجلين على الترشح للانتخابات الرئاسية. جو بايدن البالغ من العمر الآن 80 عاماً، بكل ما يعنيه ذلك من ضعف لقدراته على الحكم مجدداً، ودونالد ترامب البالغ من العمر 76 عاماً الذي يواجه تهماً متعددة. الأول، أي بايدن وبشهادة غريمه ترامب لا يواجه مشكلة كبر السّن فقط، ولكن ما هو أهم أنه يفتقد القدرة على الحكم، حيث قال «لا أرى كيف يكون ذلك ممكناً»، مضيفاً أن «الأمر لا يتعلق بالعمر (...) لا أعتقد أنه قادر على ذلك».
فكيف سيغامر بايدن بتكرار التجربة بعد كل هفواته الموجعة وسقطاته على مدى أربع سنوات، وبالطبع إدراكه لهول مشهد انتخابات الرئاسة السابقة، وعلى الأخص يوم السادس من يناير/ كانون الثاني عام 2021، عندما اقتحمت جحافل مؤيدي ترامب مبنى الكونغرس للحيلولة دون تمكينه من إقرار فوز بايدن، كما أنه حتماً، لم ينس التجربة الفاشلة للكونغرس في محاكمة دونالد ترامب على تزعمه محاولة اقتحام الكونغرس، لسبب بسيط هو أن الجمهوريين أصروا على دعم ترامب، ورفضوا مشاركة الديمقراطيين في التصويت ب«نعم» على محاكمته.
أما ترامب، فإنه يضرب عرض الحائط بما يمكن أن تؤول إليه محاكمته التي تأجلت إلى ديسمبر/ كانون أول المقبل. فعقب عودته إلى مقره في فلوريدا بعد جلسة المحاكمة التي تعرّض لها في نيويورك، أكد إصراره على المضي في خوض المعركة الانتخابية، العام المقبل، رغم أنه معرض للمحاكمة ب 34 تهمة جنائية، في مقدمتها دفع أموال لشراء صمت ممثلة إباحية، وقال إنه «لا شيء يمنعه من الترشح حتى (الإدانة)»، وأضاف لشبكة «فوكس نيوز» قائلاً «لن أنسحب مطلقاً.. هذا ليس من طبيعتي».
ويراهن ترامب في ذلك على أمرين؛ أولهما أنه لا يوجد بند في الدستور الأمريكي يمنع أحداً من الترشح للرئاسة حتى في حال مواجهته التهم.
ففي أعقاب أحداث اقتحام أنصار ترامب للكونغرس صوّت مجلس النواب لمصلحة عزل ترامب، لكن مجلس الشيوخ قام بتبرئته. الأمر الثاني الذي يراهن عليه ترامب، هو المردود الإيجابي للحملات الإعلامية المرافقة لمحاكمته التي تشير إلى تعزيز شعبيته، وتجديد فرص واحتمال فوزه.
وبهذه المناسبة نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مقال رأي كتبه روبرت رايك، بعنوان «يعتقد ترامب أن اعتقاله يساعد في فرصه الرئاسية.. إنه مخطئ»، لكن استطلاعات الرأي خالفت هذا الاعتقاد، ففي شهر فبراير/ شباط الماضي، تقدم رون ديسانتيس على دونالد ترامب بنسبة 45% مقابل 41%، لكن لائحة اتهام ترامب قلبت النتائج. فبعد إعلان ترامب نبأ اعتقاله مباشرة انتقل إلى الصدارة بنسبة 47% من الناخبين الجمهوريين وذوي الميول الجمهورية، مقارنة ب39% لمصلحة ديسانتيس، أما الآن، وبعد استجوابه فقد اتسع الفارق ليصبح 57% مقابل 31%. نتائج تكشف أن صيحات ترامب العالية والشكوى، واتهامه «اللاذع» ل«الدولة العميقة» المنحازة ضده، كانت دافعاً لحشد الجمهوريين إلى جانبه.
مثل هذه النتائج لا تكفي للدلالة على وجود فرص قوية لإعادة انتخاب ترامب، لأن 28% من الناخبين فقط، يعرفون بأنهم جمهوريون، إلا أن مجموعة أخرى من الناخبين هي التي من المحتمل أن تحدد نتيجة انتخابات عام 1924، إنهم المستقلون الذين يشكلون أكثر من 40% من الناخبين الأمريكيين، وهي نسبة أكبر من مؤيدي الجمهوريين، أو الديمقراطيين. وفي كل الحالات نحن أمام حالة «تهافت» من الرجلين للتمسك بالسلطة، وهذا يقودنا إلى سؤال مهم: أي إغراء يقدمه كرسي الحكم لشخص يدرك أن الظروف لم تعد مواتية له كي يعود إلى السلطة؟
أما الملاحظة الثانية الأهم، فهي تتعلق بخصوصية الحكم الأمريكي نفسه. فالمشهد المأساوي لانتخابات عام 2020 إذا تكرر عام 2024 بين الشخصين، ترامب وبايدن، فإنه سيكشف عن واقع كارثي أمريكي يقول إن الدولة الإمبراطورية التي تسعى لفرض استمرارية سيطرتها على العالم، وصلت إلى حالة «شيخوخة» عاجزة عن مواصلة هذا الحلم الكبير.
التعليقات