انطلق د. عبدالله الخليفة في دراساته الاجتماعية من منظور تجريبي استقاه من خلال دراسته في قسم العلوم الاجتماعية في جامعة تكساس، خاصة في علم الاجتماع الحضري ومناهج البحث، والتي أهلته فيما بعد لدراسة التغير الاجتماعي والدراسات الحضرية، والسكان والتنمية الحضرية، والنظم الاجتماعية والقضايا الاجتماعية المعاصرة..

من المعروف أن نظريات علم الاجتماع لم تستقل استقلالًا كاملًا عن علمي الفلسفة والنفس إلا مع بدايات القرن التاسع عشر، عندها انطلق علم الاجتماع كعلم مستقل بذاته، وأخذ طريقه في محاولة لتفسير الظاهرات المجتمعية.

وإن كانت العلوم الاجتماعية بصفة عامة تعود في مجملها إلى الأصول الإغريقية إلا أنها بشكل عام تظل تراثًا للبشرية.

وقد نشأ الوعي العلمي بالدراسات الاجتماعية على مستوى العالم العربي في الخمسينات الميلادية على يدي مؤسس علم الاجتماع في العالم العربي الدكتور علي الوردي كعلم منفصل عن باقي العلوم الإنسانية، والذي كان تتلمذ في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة تكساس بالولايات المتحدة الأميركية، وعلى أفكار ابن خلدون، وتأثره بالمنهج التجريبي لفرانسيس بيكون، والمنهج الوضعي لأوغست كونت، ونظريات علم الاجتماع الأميركي لكل من: روبرت ماكايغر ووليم أوغبرن وجورج هربرت، إلا أن الدكتور الوردي استفاد من وجوده في في جامعة تكساس -والتي كانت تضم مختلف علماء الاجتماع الكبار- في توسيع مداركه والانفتاح على نظريات هذا العلم وتبوأ فيه مكان الصدارة العلمية.

وقد قال عنه رئيس جامعة تكساس أثناء منحه شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع: إن الوردي عالم في علم الاجتماع، كما قال عنه الكاتب خالد القشطيني: إن الدكتور الوردي أثار الكثير بأفكاره وآرائه الجريئة والفريدة، من خلال أطروحاته المركزية الثلاث (صراع البداوة والحضارة، وازدواج الشخصية، والناشز الاجتماعي)، يضاف إليها الصراع ما بين المثالية والواقعية.

وقد اكتسب الدكتور الوردي من جامعة تكساس المعرفة النظرية، ومهارات البحث الاجتماعي والتي نتج عنها الكتب التسعة التي نشرها بطبعات ولغات مختلفة، كان من بينها الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والفارسية، والتركية، والتي تصدرها كتاب (لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث) بأجزائه الثمانية.

وكان الدكتور علي الوردي قد دعا في وقت مبكر إلى انفتاح الجامعات العربية على علم الاجتماع، وأن تقبل الجامعات العربية على دراسة هذا التخصص العلمي الدقيق. فرغم أن الدكتور الوردي لم يتبنَّ وجهة فكرية خاصة إلا أن علم الاجتماع كان مسيطرًا على تفكيره، فهو متأثر في منهجه الفكري بالمنطق الجدلي والفلسفة البرغماتية، ولكنه في الواقع يظل مفكرًا نقديًا ذا ذهنية حادة.

ومن جانب آخر نجد أن عالم الاجتماع الألماني ماكس فايبر يعد أحد أهم المؤسسين لعلم الاجتماع في الغرب، فأطروحاته حول القضايا المجتمعية تحظى باهتمام بالغ في مختلف الدوائر البحثية، فقد أصبح مرجعًا لدى علماء الاجتماع والباحثين المتخصصين في الغرب والشرق، فنظرياته تحظى بتأثير واسع في مختلف الأوساط الفكرية والفلسفية الغربية، بما في ذلك الجيل الجديد من المفكرين الاجتماعيين المعاصرين، وعلماء الاجتماع الذين اصطبغت كتاباتهم بالمنهج النقدي.

وكانت قد شهدت الدراسات الأكاديمية في ربع القرن الأخير، صعودًا ملحوظًا في الدراسات الاجتماعية توازيًا مع اتساع نطاق التعليم الجامعي وما فوق الجامعي على مستوى العالم العربي، فالمفكر الاجتماعي الأستاذ الدكتور عبدالله بن حسين الخليفة عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الاجتماعية بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممن أثروا الدراسات الاجتماعية بالدراسات والأبحاث العلمية، فقد كان له دور واضح في نقل الدراسات الاجتماعية إلى الواقع.

إلا أن علم الاجتماع وإن بدا فضاءً مفتوحًا لمختلف التوجهات والآراء إلا أنه في إطاره العلمي يركز على الظواهر المجتمعية.

وقد عرفتُ الدكتور عبدالله بن حسين الخليفة من قرب عن طريق بعض الدراسات التي كنت أقوم بها لصالح مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وذلك أثناء توليه إدارة الدراسات واستطلاعات الرأي العام بالمركز 1436 - 1438هـ، وعن طريق حلقات النقاش والأوراق العلمية التي كان يعقدها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.

وقد انطلق الأستاذ الدكتور عبدالله الخليفة في دراساته الاجتماعية من منظور تجريبي استقاه من خلال دراسته في قسم العلوم الاجتماعية في جامعة تكساس عام 1985م وبخاصة في علم الاجتماع الحضري ومناهج البحث، والتي أهلته فيما بعد لدراسة التغير الاجتماعي والدراسات الحضرية، والسكان والتنمية الحضرية، والنظم الاجتماعية والقضايا الاجتماعية المعاصرة.

وقد قدم الدكتور عبدالله الخليفة منهجًا متكاملًا في الدراسات الاجتماعية يتواءم مع النظريات التي قدمها علماء علم الاجتماع الحديث، فهو من أوائل من أدخل مصطلح النظرية الجذرية في المجتمع العربي، والتي كان قد توصل إليها من خلال ترجمته لكتاب (أساليب البحث الكيفي.. أساليب وإجراءات النظرية المجذرة لكل من أ. د. آتسيلم ستراوس ود. جوليت كوربين).

وقد توسع الدكتور الخليفة في كتاباته ودراساته الاجتماعية.. فمن الكتب المنشورة للدكتور عبدالله الخليفة، كتاب (أبعاد الجريمة ونظام العدالة الجنائية في الوطن العربي)، وكتاب (أثر العوامل الاجتماعية في توزيع السكان)، وكتاب (أساسيات البحث الكيفي).

وله من الدراسات (أثر العوامل الاجتماعية والاقتصادية في توزيع السكان على أحياء مدينة الرياض)، بالإضافة إلى مشاركاته في الندوات والمؤتمرات المتعلقة بعلم الاجتماع، وإشرافه على الرسائل العلمية، وعضويته في كل من الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمية الاجتماعية، والجمعية الدولية لعلم الاجتماع بمدريد، والجمعية الأميركية لعلم الاجتماع، والجمعية الأميركية لعلم السكان، والجمعية الدولية لعلم الجريمة بروما، واللجنة الدائمة للبحوث الاجتماعية والنفسية والتربوية.

وقد نال الدكتور عبدالله الخليفة عددًا من الجوائز العلمية، من بينها جائزة الملك خالد للعلوم الاجتماعية في دورتها الثانية، وجائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز للبحوث الأمنية لمجلس التعاون بدول الخليج العربي.

فرغم أن العقلية العامة تحمل فهماً مختلفاً لمفهوم ودور علم الاجتماع عما هو عليه في الاستخدام العلمي إلا أننا نعتقد أن دراسة تقويمية شاملة ومنهجية لأقسام كليات العلوم الاجتماعية في الجامعات ضرورية لدراسة الظاهرات والأنساق الاجتماعية المستجدة: كنمط العلاقات الاجتماعية والفجوات الحضارية، والعلاقة ما بين التغير التكنولوجي والتغير الاجتماعي ووسائل التواصل الاجتماعي والاكتشافات التقنية الحديثة وتأثيراتها، والعلاقة ما بين القيم والأخلاق الاجتماعية، والعولمة.