تذاع على القنوات اللبنانية نحو 7 نشرات إخبارية يومية، تستضيف كل منها محللاً سياسياً كل مساء. وعلى مدى سبعة أيام تقدم كل محطة برنامجاً حوارياً كل يوم يشارك فيه ثلاثة محللين على الأقل، بالإضافة إلى مداخلات من سياسيين، بعضهم محترم وبعضهم ليس كذلك. وفي المجموع يحاول نحو 100 شخص، كل يوم منذ سبعة أشهر، أن يبلغوا اللبنانيين من هو رئيسهم المقبل. عبثاً.

هناك نحو أربعة أو خمسة مرشحين جدّيين. وكل يوم تهبط أسهم مرشح وتعلو أسهم آخر. ولا يقود التحليل إلى أحد حتى يقود في اليوم، إلى سواه. وفي اليوم الذي يتلو إلى ما عداه. وكلما صغرت دائرة المرشحين، صعب نطاق التحليل. لكن لا أحد من فرقة المائة هذه، يكف عن التخمين والتوقع والتكهن. ولا أحد يقول إنه لا يعرف. وكلما زادنا السادة المحللون تحليلاً، ازداد المشهد غموضاً، والغموض تشابكاً، والتشابك خفة.

ويُفهم من أحاديث المائة المرئيين، ونحو 50 محللاً كتابياً، أنهم مثلنا؛ أي لا يعرفون شيئاً. وهناك بالإضافة إليهم، مجموعة دول مثل فرنسا، أقامت «غرفة عمليات» في قصر الإليزيه، وطبعاً هناك أميركا، ولا يعرفون شيئاً. من يعرف الآن؟ لا نعرف، ولا يعرفون. لكن التحليل ماضٍ على قدم وساق، كما قالت العرب. محلل يدعو إلى انتظار القمة، ومحلل لا يدعو إلى انتظار القمة، بل حرب أوكرانيا. وهذه قصة الرئاسة منذ أول رئيس بعد الاستقلال العام 1943 عندما كان الصراع في أوجه بين الإنجليز والفرنسيين؛ أي بين بشارة الخوري وإميل إده، وقد فاز الأول، وأعلن الثاني هزيمته على الطريقة الأميركية خلال أيام. الآن سبعة أشهر ولا شيء.

وقد تمضي تسعة أشهر ولا شيء. وفي الانتخابات التي حملت ميشال عون إلى قصر بعبدا ظل القصر خالياً طوال عامين ونصف العام، ثم امتلأ فجأة بالرئيس وأركان العائلة. ولا يزال. بالمعنى المجازي طبعاً. لأن الرئيس وصهره الوزير باسيل، وابن شقيقته النائب آلان عون، يديرون معركة الخلافة من وراء الستار ومن أمامه. ويستخدم المحللون وصفاً جديداً في الحديث عن السيد باسيل يتناسب مع تواضعه ودعته، هو «صانع الملوك».
ومعروف أنه الرجل الذي سُئل في دافوس مرة: كيف تسير أمور الدولة من دون موازنة؟ فأجاب تلك الإجابة التاريخية الضاحكة: «فلتأتِ أميركا وبريطانيا إلينا كي نعلمهما كيف يكون ذلك»، ولا يزال. ومعه مجموعة من المعلمين الآخرين، مثل حاكم البنك المركزي، الذي يطارده البوليس الجنائي الدولي.

كم هو رهيب الظلم النازل بهذا البلد!