ليس لدى المغرب أي دروس من أي نوع يتلقاها من الآخرين، خصوصاً في مجال الدفاع عن مصالحه الوطنية وحماية شعبه من دون التخلي عن أي ثابت من الثوابت المغربيّة.
بعيداً من المزايدات والكلام الشعبوي الذي لا يفيد سوى في مجال السقوط في التخلف، ثمّة واقع لا يمكن تجاهله. يتمثّل هذا الواقع في كون المملكة المغربية استثناءً في منطقة شمال أفريقيا، في وقت ليس معروفاً ما الذي ينتظر ليبيا أو تونس أو الجزائر في ضوء الأوضاع المزرية التي تعيشها الدول الثلاث.
في أقل من أسبوع، ثمة حدثان يصعب تجاهلهما. أولهما اعتراف إسرائيل بمغربيّة الصحراء التي استعادها المغرب من المستعمر الإسباني في عام 1975. الحدث الآخر الخطاب الذي ألقاه الملك محمّد السادس في مناسبة الذكرى الـ24 لتربعه على العرش. يربط بين الحدثين تمسّك المغرب بالثوابت. حصل المغرب على اعتراف إسرائيل بمغربيّة الصحراء من دون التراجع قيد أنملة عن موقفه من القضيّة الفلسطينيّة. أكد العاهل المغربي في خطاب عيد العرش أنّ كلّ ما في الأمر أن إسرائيل اعترفت بمغربيّة الصحراء بشروط المغرب. قال في هذا المجال: "بالجدية والحزم نفسيهما، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، بما يضمن الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة".
لم يتردد المغرب يوماً في دعم القضيّة الفلسطينيّة بعيداً من المزايدات والمواقف التي لا طائل منها. لم يتاجر يوماً بالقضيّة الفلسطينيّة كما فعل غيره. لا مشكلة لدى المغرب في التمسّك بالثوابت. لدى كلّ من يحاول النيل من المغرب مشكلة مع نفسه، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالأقاليم الصحراوية التي هي جزء لا يتجزّأ من المملكة. كان عيد العرش الذي أحياه المغرب هذه السنة في تطوان، مناسبة للتأكّد من أن ليس لدى المغرب وقت يضيعه في ظلّ التحديات التي تواجهه في ظروف إقليمية دولية معقدة. عبّر عن ذلك الملك محمّد السادس في الخطاب الذي ألقاه في المناسبة والذي قال فيه: "لقد ساهمت تداعيات الأزمة التي يعرفها العالم، وتوالي سنوات الجفاف، على المستوى الوطني، في ارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي. لذا، وجهنا الحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة، قصد تخفيف آثارها السلبية على الفئات الاجتماعية والقطاعات الأكثر تضرراً وضمان تزويد الأسواق بالمنتجات الضرورية. اليوم، مع ظهور بعض بوادر التراجع التدريجي لضغوط التضخم، على المستوى العالمي، فإننا في أمسّ الحاجة إلى الجدية وإشاعة الثقة، واستثمار الفرص الجديدة، لتعزيز صمود الاقتصاد الوطني وانتعاشه".
يظلّ الهمّ الأوّل في المغرب هماً داخلياً. وهذا ما يفسّر التركيز على البنية التحتيّة التي ربطت بين المدن المغربيّة بواسطة خطوط السكة الحديدية والطرق السيّارة. يستطيع كلّ من يزور المغرب التأكد من ذلك بنفسه، والتأكّد من مدى أهمّية "الجدية المغربيّة" التي تحدث عنها محمّد السادس في خطابه، وهي جدّية كانت وراء إنتاج سيارة مغربية تعمل بالطاقة الهيدرورجينية، وكانت وراء سماح المغرب بترشيح نفسه للمشاركة مع إسبانيا والبرتغال في تنظيم كأس العالم لكرة القدم في 2030.
لا شكّ في أنّ "الجدية" وراء تحول ميناء طنجة – المتوسط (Tanger – Med) إلى رابع أهمّ ميناء في العالم. يكفي المرور في محاذاة الميناء لمشاهدة هذا التطور بالعين المجرّدة من جهة، وعمق العلاقات التجاريّة التي باتت تربط بين المغرب ودول القارة الأفريقية من جهة أخرى.
في السنة 2023، تمكن ملاحظة كم صار المغرب واثقاً بنفسه وبموقعه المميّز في شمال أفريقيا، وبوجوده على المتوسط والأطلسي في آن. مثل هذه الثقة بالنفس تسمح للعاهل المغربي باتباع سياسة اليد الممدودة إلى الجزائر من دون أي عقد. لذلك قال في خطابه: "إن عملنا من أجل خدمة شعبنا، لا يقتصر فقط على القضايا الداخلية، بل نحرص أيضاً على إقامة علاقات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة، وبخاصة دول الجوار. وخلال الأشهر الأخيرة، يتساءل العديد من الناس عن العلاقات بين المغرب والجزائر، وهي علاقات مستقرة، نتطلع إلى أن تكون أفضل. وفي هذا الصدد، نؤكد مرة أخرى، لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعباً، أن المغرب لن يكون أبداً مصدر أي شر أو سوء". كذلك، نؤكّد "الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبين. ونسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين".
لا شيء ينجح مثل النجاح. لا نجاح من دون "الجدّية" التي كانت الكلمة - المفتاح في الخطاب الأخير لمحمّد السادس. هذه "الجدّية" أثبتت جدواها، بلغة الأرقام وليس بالشعارات الطنانة. أثبتت خصوصاً قدرة المغرب على متابعة مسيرته معتمداً على الثروة الأهم في هذا العالم وهي ثروة اسمها الإنسان.
- آخر تحديث :












التعليقات