الآن وقد انضمت الإمارات إلى مجموعة «بريكس»، فمن المنطقي التنبؤ بأنها ستكون على أعتاب إعادة صياغة وترتيب لعلاقاتها الاقتصادية والمالية والنقدية والتجارية ولسياستها الخارجية، لذلك، فإن من المنطقي أيضاً القول بأنه من المفترض لها أن تضع في حساباتها المستقبلية الكثير من الحقائق والأوضاع العالمية الجديدة.
وعليه، فلا بد من وجود فهم عميق للأهمية الخاصة بمحدودية الانفراج في العلاقات الدولية الحاضرة والمستقبلية بين دول الغرب وكل من روسيا والصين والهند، بالإضافة إلى العمق الخاص بالالتئام الجديد بين روسيا والصين في إفراز تعديلات وتحولات في سياسات دولة الإمارات المعاصرة.
إن من بين العوامل الاقتصادية المؤثرة وجود ضعف مستفحل في موازين المدفوعات الخارجية لجميع دول العالم تقريباً من بينها الولايات المتحدة الأميركية التي يعتبر اقتصادها من أقوى اقتصادات الدول، بالإضافة إلى بروز دول جديدة كقوى اقتصادية مؤثرة من بينها الصين والهند وعدد من دول آسيا وأميركا الجنوبية، في وقت يتراجع فيه المركز الاقتصادي للولايات المتحدة ودول أوروبا. الإمارات تقع الآن في وسط هذه المنظومات الدولية المتصارعة سياسياً والمتنافسة اقتصادياً، وهي تبدو قادرة على التنافس ضمنها بقوة على الصعيد الاقتصادي وبكل جدارة.
إن اهتزاز الثقة العالمية في الدولار الأميركي كقيمة ضامنة للاحتياطي النقدي العالمي، وكون دولة الإمارات إحدى الدول الرئيسية المصدرة للنفط والغاز الطبيعي، اجتمعت مع عوامل أخرى كثيرة وتطورات عالمية شتى لكي تجعل من الضروري تأسيس نظم عالمية جديدة على الصعد السياسية والاقتصادية تحتل دولة الإمارات ضمنها أوضاعاً مؤثرة ذات أهمية لمستقبل العالم، من ضمنها مجموعة «بريكس» التي انضمت إليها الدولة مؤخراً.
إن الانخراط في القضايا العالمية الكبرى ليس بالأمر الجديد على دولة الإمارات، فهي فعلاً مهتمة وملتزمة بقضايا عالمية متعددة الأطراف حول التجارة العالمية والقضايا المالية وقضايا الطاقة والبيئة والتغير المناخي ومحاربة الإرهاب وغيرها، ضمن خطوات تعكس حرية دولة الإمارات واستقلالية حركتها في سياستها الخارجية. من جانب آخر، فإن الأهمية السياسية للعلاقات الاقتصادية العالمية تتجاوز كثيراً هذا التحول المعاصر في الوضع الدولي للإمارات.
إن الحساسية المتزايدة في الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين جميع الدول يدفع دولة الإمارات واقعياً باتجاه تقييم الآثار السياسية للتعاملات الاقتصادية الدولية، حتى وإنْ كانت التعاملات الاقتصادية بين الدول يتم تقديمها بمعدل أبطأ من تقديم التعاملات الاقتصادية في داخلها، إلا أن الكمية والسرعة التي تنتقل بها الموارد الاقتصادية بين الدول تضع ضغوطاً اقتصادية وسياسية ضخمة عليها جميعاً. على سبيل المثال الاتصالات الحديثة والقدرات الإدارية للبنوك العالمية العملاقة والشركات العملاقة تسمح بانتقال رؤوس أموال ضخمة في استجابات سريعة لتباينات طفيفة في أوساط السوق والأوساط السياسية لمختلف الدول.
إن الاستثمار طويل الأمد من قبل هذه القطاعات الاقتصادية والحركة الخاصة بأصولها السائلة في الأسواق النقدية العالمية، يمكن لها أن تقلل من قيمة البرامج الاقتصادية والسياسية للدول، وأن تنتج صراعات حادة ما بين الدول، وبالفعل يشعر بعض المراقبين لنشاطات هذه البنوك والشركات ربما أنها صارت تقلل من قيمة وأهمية نظام الدولة - الوطنية ذاته. وعليه، العلاقات الاقتصادية الدولية ما بين القطاعات العامة والخاصة تجعل من المنطقي إجراء تعديلات على السياسة الخارجية لدولة الإمارات وفي العلاقات السياسية ما بين الدول.
*كاتب إماراتي
- آخر تحديث :
التعليقات