يلقب المخرج محمد كريم بالأب الروحي للسينما المصرية لأسباب كثيرة منها أنه أول مخرج مصري يتلقي علومه السينمائية في أوروبا، وأول من أخرج فيلمًا مصريًا صامتًا طويلاً ثم أول فيلم مصري طويل ناطق عام 1932. وهو أول من عرّف السينما المصرية على فن المونتاج، وأول من حول مسرحية إلى فيلم، وأول عميد للمعهد العالي للسينما بالجيزة وأول نقيب للسينمائيين، وهو مخرج أول فيلم مصري بالألوان (فيلم دليلة عام 1956 بطولة عبدالحليم حافظ وشادية) ومخرج أول فيلم تسجيلي عن حديقة الحيوان المصرية، ومكتشف الفنانة فاتن حمامة والوحيد الذي سجل طفولتها وصباها ومراهقتها على الشاشة من خلال أفلام «يوم سعيد/‏1940»، و«رصاصة في القلب/‏1944»، و«دنيا/‏1946» على التوالي.

ولد كريم في ديسمبر 1896 في حي عابدين القاهري، وتعلق بالسينما منذ أن كان في العاشرة بسبب تردده على صالة سينما أمبير (من أوائل دور العرض القاهرية)، حيث بهره هذا الفن الجديد والغريب الوافد من الخارج. وبعد أن كبر قليلاً، انفق مدخراته من مصروفه الخاص على شراء كاميرة فوتوغرافية وحوّل سطح منزل والديه بحارة الهدارة إلى ستوديو يقلد فيه ممثلي السينما بعد أن يضع الماكياج الملائم للشخصية التي يريد تقمصها، كما راح ينفق على التزود بالمجلات الفنية الأجنبية ومراسلة شركات السينما الأوروبية.

بعد الحرب العالمية الأولى دفعه عشقه للسينما إلى كتابة مقالات عنها في الصحافة المصرية، كان يضمنها ترجمة للأخبار الفنية العالمية ودعوات لخلق سينما مصرية وتمصير الأفلام الأجنبية. وفي عام 1917 انتقل إلى الأسكندرية، حيث قام بالتمثيل لأول مرة في الفيلمين الروائيين الصامتين «شرف البدوي» و«الأزهار القاتلة» من إنتاج «الشركة السينمائية الإيطالية المصرية»، علمًا بأن «الأزهار القائلة» هو أول فيلم تمنع الرقابة المصرية عرضه لأسباب دينية سنة 1918.

تأجج عشق السينما بداخله وقرر أن يدرسها أكاديميًا فشد الرحال أولاً إلى روما ومنها إلى برلين سنة 1920. وفي برلين التحق بأستوديوهات «أوفا» السينمائية، حيث عمل في قسم المونتاج، وخلال 18 شهرًا أصبح أحد مساعدي المخرج الألماني «فريتز لانج»، مما أكسبه خبرة ودراية بفن الإخراج السينمائي. وفي عام 1926 عـاد إلى القـاهرة ومعه زوجته الألمانية التي غيَّرت اسمها إلى «نعمة اللّه» بعد إسلامها واقترانها بكريم في ألمانيا، وهي التي أصبحت لاحقًا مساعدته في جميع أفلامه.

بعد عودته من ألمانيا، حاول إقناع يوسف وهبي بإنتاج فيلم سينمائي يقوم هو بإخراجه. غير أن وهبي المنشغل آنذاك بالمسرح وبفرقته المسرحية لم يتحمس للفكرة، لكنه طلب من كريم الوقوف معه على خشبة مسرح رمسيس لأداء دور ضابط في مسرحية «تحت العلم».

لم ييأس كريم من يوسف وهبي، فصور أفلامًا سينمائية لبعض المناظر الخارجية وأدمجها في مسرحيات وهبي أثناء العرض. وبسب نجاح هذه الفكرة التي لم يسبقه فيها أحد، وافق يوسف وهبي على اقتراح كريم بتأسيس شركة «رمسيس فيلم» للإنتاج السينمائي، وتم الاتفاق على أن يتولى كريم إخراج باكورة أعمال الشركة، فاختار كريم أن يخرج عام 1930 رواية زينب للأديب محمد حسين هيكل في فيلم صامت (لأن السينما المصرية كانت آنذاك صامتة)، مدشنًا بذلك بداية العلاقة بين الأدب والسينما المصرية. وبعد أن نطقت السينما المصرية أعاد كريم إخراج الفيلم نفسه ناطقا سنة 1952. لكنه قبل ذلك في عام 1932 أخرج فيلم «أولاد الذوات» من بطولة يوسف وهبي وفرقته المسرحيه، ليدخل هذا الفيلم التاريخ كأول مسرحية مصرية تتحول إلى فيلم سينمائي، وكأول فيلم مصري صامت، علمًا بأن أغلب مشاهد الفيلم تمّ تصويرها في باريس (لأنه لم تكن قد أقيمت بعد أستوديوهات مجهزة بمعدات الصوت أو حتى الإضاءة. أما بقية المشاهد فقد صورت صـامتة داخل ستوديو رمسيس وأدخلت عليها المؤثرات الصوتية لاحقًا).

ارتبط اسمه بالموسيقار محمد عبدالوهاب لأنه هو من أخرج كل أفلامه السبعة، بدءًا بفيلم «الوردة البيضاء» عام 1933 وانتهاء بفيلم «لست ملاكا» عام 1946، مع حرصه على تقديم وجه جديد أو نجمة مختلفة للوقوف أمام عبدالوهاب في كل فيلم، لذا كان له الفضل في اكتشاف أو بروز العديد من نجمات السينما المصرية. فقد قدم مثلا سميرة خلوصي في «الوردة البيضاء»، ونجاة علي في «دموع الحب»، وليلى مراد وزوزو ماضي في «يحيا الحب»، ورجاء عبده في «ممنوع الحب»، وراقية ابراهيم في «رصاصة في القلب»، ونور الهدى في «لست ملاكا»، علاوة على اكتشافة الفنانة بهيجة حافظ وتقديمها كبطلة لفيلم «زينب».

عرف كريم بأنه مثال للفنان النقي الملتزم، إذ تمسك بجملة من المبادئ لم يحد عنها طوال حياته، ومنها عدم الخلط بين الفن والتجارة، ورفض الأعمال المبتذلة، والدقة في اختيار موضوعات أفلامه والممثلين والفنيين العاملين معه، وتصوير الطبيعة الراقية، والاهتمام بأدق تفاصيل العمل. ولكل هذه الأسباب، كان يقوم بنفسه بعمل مونتاج أفلامه، وكتابة سيناريوهاتها، والدعاية لها أيضاً، وكان يعتبر بلاتوه التصوير كالحرم المقدس، فكان مثلاً لا يسمح لأي إنسان ليس له عمل بالتواجد فيه.

قبل وفاته في 27 مايو 1972، وتحديدًا في عام 1968، قدمت له الدولة منحة تفرغ لكتابة تاريخ السينما المصرية حيث عكف على البحث والدراسة معتمدًا في ذلك على ذكرياته وذكريات أصدقائه المقربين إليه، لكنه رحل قبل أن يكمل المهمة فتولاه عنه المخرج أحمد كامل مرسي. والجدير بالذكر أن للراحل فيلمين ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في السينما المصرية وهما»رصاصة في القلب«و»زينب«. كما أنه نال جوائز تقديرية مصرية عديدة، منها جائزة الدولة في الإنتاج والإخراج والسيناريو عن فيلم «جنون الحب» سنة 1955 (وهو فيلم أخرجه عام 1954 من بطولة راقية ابراهيم وأنور وجدي وعماد حمدي وسليمان نجيب، واضطر لبيع أثاث منزله ليقوم بإنتاجه)، ومنها أيضًا وسام الدولة في الفنون من الدرجة الأولى عام 1963، وجائزة الدولة التشجيعية في الفنون التي نالها بعد رحيله. ومن مظاهر تكريمه أن وزارة الثقافة أمرت بصنع تمثال له ينصب أمام أكاديمية الفنون في إطار الاحتفال بمئويته، لكن مجهولين قاموا في مايو 2012 بحرقه بتحريض من حزب النور السلفي.