ما من شك بأن احتمالات النجاح بإتمام صفقة تبادل المحتجزين لدى كل من حماس وإسرائيل صارت كبيرة. وفي هذه الحالة ثمة تحولات قد تشهدها الحرب في غزة التي قد تكون آيلة إلى دخول مرحلة جديدة أقل شدة، من دون أن تتوقف الحرب بأبعادها الأخرى. ماذا نعني بما تقدم؟ بكل بساطة أن إتمام صفقة المحتجزين لدى طرفي الصراع في حرب غزة من شأنه أن يبرد الحرب حكماً، بسبب الاتفاق على وقف لإطلاق النار لمدة خمسة أيام. هذا ما يخشاه الجيش الإسرائيلي الذي يرى أن الصفقة بما تتضمنه من اتفاقات لوفق إطلاق النار سيفقد العملية البرية زخمها، وينهي الحرب في وقت قصير. وإذا ما نجحت الصفقة الأولى، فستليها صفقات أخرى نظراً للعدد الكبير من المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس. وهذا الأمر يمكن أن يطيل من أمد وقف إطلاق النار إلى حد سيفقد العملية البرية كل زخمها.
يمكن القول إنه من الناحية العملية فإن نجاح صفقة التبادل إذا حصل سيشكل بداية لنهاية الحرب على غزة. ولكن هذا لا يعني أن الجيش الإسرائيلي سيوقف العملية في الشمال التي تقوم على التقدم البطيء في شوارع مدينة غزة التي تحولت إلى مسرح حرب مدن مدمرة منزوعة من كل حياة طبيعية. هنا سيحاول الإسرائيليون أن يعملوا على البحث عن الأنفاق، واستكمال تدمير المدينة بحيث إنها ستمنع عودة سكانها إليها لأمد طويل.
ثمة مخاوف أخرى متعلقة بما ستشهده المرحلة المقبلة بعد تبريد حرب غزة. فالجبهة الشمالية لا تزال موضوع نقاش جدي في المستوى الأمني الإسرائيلي. والقضية تتعلق بانهيار قدرة الردع الإسرائيلية على الجبهة مع لبنان. ورفض سكان شمال إسرائيل العودة إلى بيوتهم ما لم يشعروا بأنهم في أمان بحماية الجيش الإسرائيلي. حالياً لا يشعر هؤلاء بالأمن. فقد نجح "حزب الله" بضرب قواعد الاشتباك التي سادت لأعوام طويلة على جانبي الحدود. واستطاع أن يدفع سكان الشمال لطرح السؤال الجوهري الآتي: "هل نحن في أمان؟". بمعنى آخر، كيف يمكن لإسرائيل أن تعيد الاعتبار إلى أمنها على الحدود مع لبنان في ضوء اختبار عملية "طوفان الأقصى" الدراماتيكي؟ فما حصل في الجنوب يمكن أن يحصل في أي وقت بعد انتهاء الحرب بشكل أكبر وأوسع وأكثر دموية.
بناءً على تقدم، سيبقى خطر تدهور الأوضاع على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل قائماً بقوة، حتى بعد أن تبرد جبهة غزة. فقد أثبتت تجربة المناوشات مع الجيش الإسرائيلي التي بدأها "حزب الله" بدءاً من يوم الثامن من تشرين الأول – أكتوبر الماضي أن ذراع إيران اللبنانية لا تعير أي أهمية للقرار 1701، ولا لمنطق الشرعية الدولية المرتبط بوضع الحدود بين لبنان وإسرائيل. فقد قفز فوق الدولة اللبنانية، ومنع الجيش اللبناني من القيام بواجباته لناحية المحافظة على أمن الحدود، وأمن المواطنين في المناطق الحدودية. وغاب مجلسا النواب والوزراء عن هذا الاختبار الوجودي بالنسبة إلى لبنان. ولذلك تعرف إسرائيل ومعها الولايات المتحدة أن أمن المناطق الشمالية لا يعتمد على القرارات الدولية، بل على تفاهمات مع إيران وذراعها في لبنان. لكن هذه التفاهمات يمكن أن تسقط إذا ما قرر الجانب الإيراني تعديلها أو تغييرها. من هنا خطورة الوضع إذا ما رأى الإسرائيليون أنهم يحتاجون إلى ضمانات أقوى وأكثر صلابة فيحاولون فرضها على موازين القوى.
- آخر تحديث :
التعليقات