بين يوم وآخر، وفي هذا المكان، أكتب عن تجارب الشعوب، وأحيانا أخشى أن يصاب القارئ العزيز بالملل وأنا أعيد الحديث عن البلدان التي حققت الرخاء بفضل سياسيين ومسؤولين أحبوا أوطانهم، وأصروا على أن الصورة الحقيقية التي يجب أن تُقدم عن بلدانهم، هي صورة التنمية والعمران ووجوه المواطنين التي تمتلئ سعادة..
كان السنغافوري لي كوان يرفض أن توضع صوره في الساحات أو الشوارع ويقول للمعترضين إن صورتي الحقيقية هي التي يراها المواطن في الإعمار وارتفاع الدخل وفي الاستقرار.
دائما أتساءل كيف تمكن رجل أن ينقل بلاد كانت تسمى مستنقع البعوض لتصبح بعد عقود قليلة واحدة من أكبر اقتصاديات العالم. فيما لا نزال في بلاد الرافدين نصدر البيانات الثورية عن النزاهة والإصلاح. هل قرأتم البيان الذي أصدرته هيئة النزاهة والذي اخبرتنا فيه أن رؤساء ومؤسسي الأحزاب مشمولين بحملة "من أين لك هذا؟". أنا من جانبي ساعتبر الأمر مجرد خطأ مطبعي، فكيف يتسنى للنزاهة أن تسأل كبار قادة البلاد: من أين لكم هذا ؟.. ارجوكم اعتبروا الأمر خطأ طباعي، افضل من أن يتحول الى نكتة.
لم يعد أحد يسأل لماذا أصبح الفساد جزءاً من لحم الدولة وشرايينها، لم يعد أحد يسأل من أين يحصل النائب على كل هذه الاموال، لا يوجد اليوم من يسأل السياسيين كيف تضخمت ثرواتكم؟
احتفلت سنغافورة قبل أشهر قليلة بمئوية لي كوان، الذي رحل عن عالمنا عام 2015 بعد أن ترك وراءه بلاداً صغيرة لكنها تنعم بالاستقرار والرفاهية، وبمنافسة كبرى مع الدول على المراكز الأولى في سعادة الإنسان، كان يقول إن الصراحة وكشف الحقائق أمام الناس هي التي تبني سنغافورة قوية.. ظل لي كوان يردد "سنشكل حكومة نظيفة، وسنحرص على إخضاع كل دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل إلى المستحقين من القاعدة الشعبية من دون أنّ يُنهب في الطريق". كان الناتج السنوي يعد بملايين الدولارات، ويوم ودع لي كوان الحياة عام 2015، كانت الأرقام التي نشرتها الإيكونومست عن مؤشر جودة الحياة، على النحو الآتي: "حصلت سنغافورة على الدرجة الأولى في آسيا بدخل المواطن.
يحزننا ياسيدي السنغافوري الكبير أن نقول إن الحقيقة لدينا هي مجرد بيانات كاذبة، ننشرها بين البسطاء ليل نهار، نحن ياسيدي نعيش في ظل مسؤولين يفعلون أي شيء من أجل الفوز باكبر قطعة من "كعكة" هذه البلاد.
نقرأ سيرة باني سنغافورة، في الوقت الذي نزال نستمع إلى اخبار النزاهة وخطب الذين يطمحون بكعكة مجالس المحافظات.
التعليقات