تابعت باهتمام، كما فعل الكثيرون غيري من حول العالم، أخبار الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ «COP28»، والتي عقدت مؤخرًا في مدينة إكسبو دبي، هذا الحدث الذي يعد أحد أكبر وأهم التجمعات الدولية في العام 2023، ويناقش مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لصحتنا وأرزاقنا وسبل عيشنا وحاضرنا ومستقبلنا، ألا وهي المناخ.

وقد أثبت نتائج هذا المؤتمر أن منطقة الخليج العربي باتت الوجهة الأكبر على صعيد الإمكانات والجدية في قيادة التوجهات العالمية وإيجاد الحلول للتحديات التي تواجه البشرية، وخير دليل على ذلك المبادرة التي أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في كلمته أمام قمة الدورة الـ28 لمؤتمر «COP28» بشأن إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، واستثمار دولة الإمارات 100 مليار دولار في تمويل العمل المناخي والطاقة المتجددة والنظيفة، والتزامها باستثمار 130 مليار دولار إضافية خلال السنوات السبع المقبلة.
حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم أكد في كلمته أمام هذا المؤتمر العالمي على أهمية الالتزام والتعهدات المشتركة لمعالجة التحديات البيئية المهددة للأمن المناخي، من أجل عالم أكثر عافية، ولمستقبل تنعم فيه البشرية بالازدهار وقدرة الاستدامة، وأن الجميع متفق على أن هدف تحسين حياة المجتمعات بالتغلب على تأثيرات تغير المناخ، هدف طويل الأمد، ولن نتمكن من تحقيقه، إلا من خلال التعاون الجماعي لتسريع الإنجاز ورفع مستويات الاستعداد، لنكون معا على ذات المسافة في اتجاه التغيير المنشود.
وإن خطة العمل الوطنية «Blueprint Bahrain» لتحقيق الحياد الكربوني التي أعلن عنها حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم في كلمته تمثل خارطة طريق يحتذى بها، وتوضح ثلاثة مسارات لذلك هي الاقتصاد منخفض الكربون، والتكيف مع التغير المناخي، وخلق فرص مستدامة في الاقتصاد الأخضر الجديد. هذه الخطة الواضحة تؤكد التزام مملكة البحرين الشامل والكامل بحماية المناخ من خلال عمل وطني على مستوى الدولة ككل، يشارك فيه الجميع، وأنا إلى قراءة هذه الخطة بتمعن ليعرف كل واحد منا دوره في تنفيذها، وبما يضمن تحقيق الغايات السامية لها.
وفي الواقع، البحرين بدأت سريعًا في تنفيذ هذه الخطة، وترجمتها إلى قرارات ومبادرات على أرض الواقع، من بينها الاستراتيجية الوطنية للطاقة التي دشنتها المملكة، وإطلاق صندوق لتكنولوجيا المناخ بقيمة 750 مليون دولار، بالإضافة إلى تأسيس منصة «صفاء» لتعويض الانبعاثات الكربونية.
إن قضية المناخ ليست قضية حكومات وطنية ومنظمات دولية فقط، وإنما هي قضية البشرية جمعاء، قضية كل واحد فينا من موقعه، وبحسب إمكاناته، قضية الأم التي يجب أن تربي أطفالها على أهمية الحفاظ على البيئة، وسيدة المنزل التي يجب أن تراعي شراء المنتجات صديقة البيئة، والمقاول الذي يجب ألا يزيد من رمي المخلفات الضارة بالبيئية، وغيرهم من الشرائح والفئات.
وأنا كرجل أعمال لا أكشف سرا إذا قلت إن جانبا من أعمال المتعلق بالصناعة والإنشاءات لديه احتكاك مباشر مع البيئة، وهذا يحملني مسؤولية مضاعفة في أن تكون المصانع التي أملكها صديقة للبيئة، وتحقق المعايير الدولية ذات الصلة، لأن الاستدامة هي ما نبحث عنه كلنا، والربحية التي تأتي عن طريق ضرر البيئة ربما تكون مكسبا مؤقتا، لكنها بكل تأكيد خسارة فادحة على المدى الطويل.
لقد انتهيت منذ نحو عام من إنشاء مصنع خاص لصهر الحديد وإنتاج أسلاك وأعمدة البناء، ولقد تيسرت جميع أمور التسجيل ووصلت للمرحلة الأهم والنهائية وهي الحصول على موافقة المجلس الأعلى للبيئة، ولقد كان المسؤولون في المجلس واضحين وصارمين، وقمنا من جانبنا بدارسة مع شركة متخصصة بالبيئة، وتعاونا مع شركة استشارات بيئة بريطانية مرموقة، وبعد ستة أشهر من الدراسات والعمل، طلب منا أن نعيد تدوير المخلفات الضارة بيئيًا الناتجة عن المصنع داخل البحرين، أو إرسالها إلى دولة أخرى تقوم بتدويرها، وهذه الحلول الناجعة هي ما قمنا به بالفعل.
ولقد كان من أصعب الأمور معالجة ما يسمى بغبار الكربون، وهو موضوع شائك ومزعج وجميع المصانع في البحرين وغير البحرين تواجه هذه المشكلة، وقد كانت تجربة علمية وعلمية مفيدة جدا بالنسبة لي، تعرفت خلالها على تفاصيل العمل البيئي والمناخي، وكيف يجب أن نساهم جميعا في خفض انبعاث الكربون الضار بالبيئة.
في السياق ذاته، قمت مؤخرًا بتأسيس شركة سميتها «Energy Recycle»، ونحن فخورون بالتقدم الذي حققه فريق عمل هذه الشركة والأبحاث وبراءات الاختراع التي توصل لها، وقد بدأت الشركة بالفعل بالعمل في المملكة العربية السعودية من خلال تقديم حلول معالجة المخلفات البترولية وتحويلها إلى زيوت صالحة لإعادة الاستخدام.
مثل هذه التجارب التي أمر بها، ويمر بها كثيرون غيري، تؤكد أن رواد العمل المناخي هم مجرد أشخاص، مثلك تماما، ينهضون معا لمواجهة تحدي تغير المناخ، هم صناع التغيير، ومحركو البوصلة، وبناة الزخم الذين يبعثون الأمل والتفاؤل ويحفزون الإبداع اللازم لوضع الحلول المناسبة لمواجهة التحدي الأكثر إلحاحا الذي تواجهه البشرية.
موضوع آخر مهم يثير مشاعر الغضب والحزن في آن واحد، وهو وجود بعض الأنانيين الغوغائيين حول العالم الذين بدل أن يشاركوا في بناء مستقبل أفضل للبشرية، يدمرون واقعها من خلال الحروب، منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، مرورا بحروب كوريا ويوغسلافيا والعراق وأوكرانيا وغزة... والحديث هنا ليس عن الضرر البيئي للحروب فقط، بل أيضا لو توجيه 5% من تكاليف السلاح والحروب لمعالجة قضايا المناخ والفقر والجهل والمرض لكانت البشرية بحال أفضل مما هي عليه الآن بكثير.
أنا أضم صوتي إلى صوت الدكتور سلطان الجابر، رئيس مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، إلى الوحدة والعمل والتعددية، ورؤيته أن العام يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد واغتنام فرصة المؤتمر لاتخاذ الإجراءات اللازمة والحفاظ على نسبة 1.5 من الانبعاثات الضارة، بل وعكس اتجاهها.
نهنئ دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودول الخليج العربي، والعالم أجمع، بنجاح أعمال هذا المؤتمر العالمي المهم، مؤكدين أهمية النتائج النوعية التي خرج بها التي تمثل دفعا قويا للعمل المناخي الدولي بما يصب في مصلحة الجميع.