قبل أسبوع على الانتخابات الرئاسية الأميركية، توقفت كل محاولات التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة. وكان نتنياهو قد قال إنّ المفاوضات ستجري تحت النار! إنما الذي حصل هو أنّ التفاوض توقف على وقف النار في الجبهة اللبنانية، وعلى وقف آخِر بشأن غزة. واضطر مستشار الرئيس الأميركي ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط، آموس هوكستين، لأن يخبر أصدقاءَه في لبنان بعد أن زار إسرائيل وقابل نتنياهو، بأن الإسرائيليين لا يريدون التفاوض الآن على وقف إطلاق النار! وقد استغرب دُعاة التفاوض، لأنّ الإسرائيليين أو بعضهم هم الذين قالوا إنّ الحرب طالت، وجبهة لبنان ليس فيها تعقيدات غزة، لذلك خلال أسبوع أو أسبوعين لا بأس بوقف النار، وبخاصةٍ أنّ هناك اتفاقاً تُجمع عليه أطراف الصراع وهو تطبيق القرار الدولي رقم 1701.

أما في غزة فهناك تعقيدات اليوم التالي، رغم أن المقاومة قد خمدت تقريباً، وما استقرّ الإسرائيليون على أحد الخيارات المعروضة فضلاً عن بقاء المشكلات مع مصر بشأن معبر رفح. هناك من يقول: فلسطينيون (من شرطة السلطة) وعربٌ يعيدون الأمن ويزودون بالمساعدات ويبدأ التفكير بإعادة الإعمار. ويريد الإسرائيليون أن يشارك الأميركان والأوروبيون، وبخاصةٍ على المعابر مع مصر. ويختلف اليمين الإسرائيلي بشأن بقاء الجيش في غزة ومجيء المستوطنين إليها. والجيش -رغم إحساسه بالخيبة جراء مفاجأة «الطوفان»- يفضّل عدم إدارة القطاع، وهو يعاني من إدارة الضفة الغربية.

وهكذا لن تتوقف المذابح في غزة إلى أن يجري التوافُق على مَخرج أو مَخارج اليوم التالي. إنّ السبب الأكبر لانقطاع مفاوضات وقف إطلاق النار هو بلا شك الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر الجاري. ويقال في هذا الصدد إنه لو فاز ترامب فسيكون أكثر بشاشةً مع إسرائيل. وتكون لها ميزة معه أنها أعطته فضيلةَ وقف النار بواسطته!

بينما يذهب آخرون إلى أن السياسة الأميركية لن تتغير أياً يكن الرئيس، إنما ستستفيد إسرائيل من استمرار الحرب لأسبوع أو اثنين من أجل المزيد من التدمير! وليس صحيحاً أنّ أحداً لا يأبه لما يصيب المدنيين في البلدين نتيجة الغزو العسكري. فالعرب، ومن ورائهم المجتمع الدولي كله، يريدون وقف النار.

وقد نفد صبر الجميع إزاء سياسات الحرب المستمرة، ومنها ما حدث أخيراً من منع لـ«الأونرو» من العمل في إغاثة أطفال فلسطين وتعليمهم. لقد ذهب السعوديون أخيراً إلى أنّ حلّ الدولة الفلسطينية لا يتطلب موافقةً إسرائيلية، لأنه ثابت في القانون الدولي مراراً وتكرراً، وقد وافقت عليه نحو مائة وستين دولة، ولأن الدول العربية تدعمه بقوة منذ مؤتمر بيروت عام 2002: فهل يكون المضي باتجاه مؤتمر دولي قد لا تدعمه الولايات المتحدة، أم لا بد من التوافق مع الولايات المتحدة بشأن العودة للتفاوض التي قد تطول؟! في المدى القريب، لا يريد الناس في غزة ولبنان غير وقف النار بعد البلاء الطويل الذي تسبب به الحماسيون وتنظيمات إيران!