وحدها الولايات المتحدة تملك بيدها قرار إنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة. ويبدو أنّ أمام إسرائيل مهلة أربعة أسابيع إلى ستة أسابيع منحتها إياها الإدارة الأميركية لإنهاء العملية البرية في القطاع الفلسطيني. لذلك سوف يُسرّع الإسرائيليون الخطى في محاولة لتحقيق "الإنجازات الميدانية الآتية" قبل نفاد المهلة بحدود نهاية الأسبوع الأول (أو الثاني على أبعد تقدير) لشهر كانون الثاني (يناير) المقبل.

الإنجاز الأول الذي تسعى إليه إسرائيل يتمثّل بحسم المعركة في شمال قطاع غزة. بمعنى أنّ الجيش الإسرائيلي سيخوض معركة كبيرة جداً ودموية في كل أنحاء المحافظات الشمالية للقطاع، محاولاً أن يفرض سيطرته عليها. من هنا نرى تكثيف التوغلات في جباليا، وبيت حانون، والشجاعية ومختلف أنحاء مدينة غزة. كل ذلك يستوجب أن يترافق مع قطع سبل الحياة أمام من بقي من الأهالي في الشمال، لتصير الحياة لمن بقي مستحيلة من الناحية الواقعية فيضطروا إلى النزوح جنوباً. لكن هذا "الإنجاز" دونه حتى الآن عقبتان رئيسيتان، الأولى أنّ المقاومة شديدة للغاية، وتنزل بالقوات الاسرائيلية خسائر فادحة في حرب تدور من شارع إلى شارع، ومن مبنى إلى مبنى. والثانية احتمال وجود أعداد من الرهائن الإسرائيليين في الأنفاق أو غيرها من المخابئ في الشمال. ولا بد من الإشارة إلى أنّ المنطقة واسعة نسبياً ويمكن لمجموعات من الفصائل الفلسطينية أن تواصل القتال بأسلوب حرب العصابات لمدة طويلة مما يعرض آلاف الجنود الإسرائيليين إلى الخطر الدائم.

الإنجاز الثاني الذي تسعى إليه إسرائيل هو تقطيع أوصال القطاع إلى أربع مناطق معزول بعضها عن البعض الآخر. الشمال، الوسط، خان يونس، رفح. ومواصلة التدمير المنهجي للمدن والأحياء والمخيّمات إلى درجة تجعل من مسألة إعادة إعمارها مهمّة شاقة وطويلة للغاية، والتأكّد أنّ التواصل مقطوع بين تلك المناطق فوق الأرض وتحتها، ومواصلة دفع النازحين إلى الحدود مع مصر مما يتطلّب جهداً كبيراً ووقتاً أكبر. وهذا ما قد لا يتوفّر للقوات الإسرائيلية.

الإنجاز الثالث الذي تنشده إسرائيل، إذا ما تمكنت من السيطرة على خان يونس، الحؤول دون خروج قيادات "حماس" الرئيسية من القطاع إلى سيناء، وفي المقدمة القادة الكبار، مثل يحيى السنوار ومحمد الضيف، وآخرون.

والإنجاز الرابع هو النجاح في الوصول إلى عدد من الرهائن، وعدم التسبّب بموت أعداد كبيرة منهم خلال العمليّات العسكريّة. فصُور رهائن مقتولين بسبب المعارك ستؤدي إلى تعاظم الضغوط على الحكومة من قبل الأهالي.

أما الإنجاز الأخير الذي تسعى اليه إسرائيل قبل نفاد المهلة الممنوحة لها، فهي تطويق جميع المناطق التي لم تسيطر عليها في الحرب المفتوحة، وعزل رفح عن مصر ما عدا المعابر، من أجل استكمال الحرب بوتيرة منخفضة ولمدة أطول بينما غزة شبه محتلة.

معظم المراقبين يستبعدون أن تتمكن إسرائيل من إتمام الإنجازات التي تسعى خلفها. فالحرب صعبة. والفصائل تقاتل بشراسة كبيرة، معتبرة أنّ ليس أمامها من خيار آخر سوى القتال حتى الرمق الأخير. من هنا مأزق إسرائيل التي تقفل كل الخيارات أمام الفصائل. كل هذا في وقت يُصرّح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم أمس أن بإمكان "حماس" إنهاء الحرب إذا استسلمت.