تغيّرت المعطيات المتعلقة بجبهة الجنوب اللبناني، التي أعلنها الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله جبهة مساندة ودعم، وربط من خلالها تطورات عملياته العسكرية بالميدان في غزة.
فالواضح أنّ إسرائيل تعمل بجدية على كسر معادلة «توحيد الساحات»، لتستفرد بالساحة اللبنانية، كقضية مستقلة تحتاج إلى تسوية منفصلة عن «حرب غزة» أو تفتح أبواب الجحيم على لبنان. والأوضح أنّها تجاوزت «قواعد الاشتباك» وعمدت إلى التصعيد في استهداف القرى والبلدات والمدنيين من دون رادع أو توجس من رد «حزب الله» عليها، وبدأت استراتيجية عسكرية تتيح لها، وفق حساباتها، التوصل إلى ترتيبات جديدة تتعلق بجنوب الليطاني، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالحرب الوحشية التي تشنّها على غزة.
فالمعلومات المتلاحقة عن مسودة لنسخة البنود والشروط الإسرائيلية التي قيل إنّها سُلمت عبر الأميركيين والفرنسيين إلى لبنان لتطبيقها، تكشف عن أنّ «إسرائيل توافق على إبقاء «حزب الله» في بعض مواقع الرصد المشتركة مع الجيش اللبناني والفرنسيين»، و»تشترط انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع قوات فرنسية»، كما «تشترط رقابة فرنسية - أميركية مع «اليونيفيل» على الحدود مع لبنان». والأهم أن إسرائيل «تشترط عدم وجود سلاح غير سلاح الجيش اللبناني جنوب الليطاني».
بالتالي، تحاول حكومة بنيامين نتنياهو قلب المعادلات التي كانت متبعة منذ انطلاقة عمليات «المساندة والدعم» من جانب «حزب الله» لحركة «حماس» لإشغال الجيش الإسرائيلي وتخفيف الضغط عن غزة، فهي تنزع من «الحزب» إدارته «قواعد الاشتباك»، وإذ تتابع حربها وبشراسة وإجرام أكبر على المدنيين الغزاويين، تلغي المعادلة الإيرانية لتوحيد الساحات. أو حتى كأنها كانت تنتظر عملية «طوفان الأقصى» لتعيد ترتيب ملفاتها في المنطقة وتضرب عصافير كثيرة بحجر تداعيات هذه العملية، إقليمياً ودولياً.
لذا انبرى وزير الدفاع الإسرائيلي ليؤكد أن «إسرائيل منفتحة على إمكانية التوصل إلى اتفاق مع «حزب الله» إذا تضمن منطقة آمنة على الحدود وضمانات». وهذا الطرح يكفي ليدل على أنّ العمل الاسرائيلي والدولي لفصل مسار لبنان عن غزة وُضع على الطاولة. وإذا بدأ البحث الجدي فيه، حينها يجب توجيه الاهتمام إلى الراعي الفعلي لهذه الساحات.
الردّ الأولي الإيراني على الطرح الإسرائيلي، كان تحريك جبهة «الحوثيين» في منطقة لا تؤلم إسرائيل بقدر ما تؤلم مصالح الدول الكبرى والصغرى مع تعريض سلامة الملاحة التجاريّة من مضيق هرمز الى قناة السويس للصواريخ، بغية عرقلة الملاحة وتعطيل شريان 15% من التجارة العالميّة.
فإيران لن تسمح بانتزاع مفهومها لتحكم «حزب الله» بالميدان وضبط جبهة الجنوب على إيقاعه. ولن تتغاضى عن سعي إسرائيل لحرف المسار ووضع «الحزب» ومعه الدولة اللبنانية غير المعوّل عليها، وحتى قوات «اليونيفيل» تحت رحمة أمر واقع جديد/ قديم، من خلال سباق بين الحرب المفتوحة على لبنان وبين العودة إلى ما قبل «قواعد الاشتباك» بكثير... أي إلى لحظة صدور القرار 1701 القاضي بإبعاد سلاح «الحزب» باتجاه شمالي نهر الليطاني.
والطرح الإسرائيلي هذا يتجاوز بالنسبة إلى إيران الساحة اللبنانية، لأنّ أبعاده تتعلق بتوازنات القوى التي كانت حتى عشية «طوفان الأقصى» راجحة لمصلحتها. لذا أعاد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أول من أمس، التحذير مجدداً من توسع الصراع في لبنان وتكثيف الهجمات من اليمن. ليستدرك ويشدد على أن «لا علاقة لنا بهذه الهجمات... والجماعات التي تنفذها ليست تابعة لنا. وأي عمل يساند وقف الاحتلال سوف ندعمه»... أو... سوف يتفاوض الإيرانيون مع الأميركيين للحصول على ما يستحق القبول بفصل إسرائيل لمسار لبنان عن غزة.
التعليقات