في عام 2009 قدم المخرج والمنتج والسيناريست المصري الفذ رأفت الميهي عمله التلفزيوني اليتيم، وآخر أعماله وهو مسلسل «وكالة عطية» من تأليف الأديب خيري شلبي وتمثيل حسين فهمي وانتصار وحسام صالح ومايا نصري، وذلك قبل وفاته في 24 يوليو 2015 في أحد مستشفيات القاهرة متأثرًا بضعف حاد في عضلة القلب. وهكذا رحل من لقب بـ «سيد الفانتازيا» في السينما المصرية دون أن يحقق حلمه بتحويل روايته «هورجادا.. سحر الشرق» إلى عمل سينمائي بسبب عدم حصوله على موافقة الرقابة لأن التيمة الرئيسية تدور حول قصة حب بين فتاة مسيحية وشاب مسلم.

شكَّل رحيل الميهي صدمة للكثيرين من زملائه ومحبي أفلامه الجريئة التي لامست شغاف قلوبهم كونها عانقت مشاكل المجتمع المصري وهمومه ومعاييره المقلوبة وبحثه عن الحرية والعدالة والانسانية والعيش الكريم، سواء من خلال أعمال أخرجها بنفسه أو أفلام وضع سيناريوهاتها وحواراتها وأخرجها غيره. لذا لم يكن غريبًا أن تشهد رحلته الفنية التي بدأت في أواخر الستينات الكثير من المتاعب والمعارك مع سياسات الدولة السينمائية ممثلة في قرارات وزير الثقافة فاروق حسني ومع المتنفذين والمحتكرين في صناعة السينما ومع الجماعات المتطرفة، من تلك التي واجهها بشجاعة وقاومها ببأس دون أن يهادن أو يتنازل.

ولد محمد رأفت إبراهيم الميهي في 26 سبتمبر 1940 بمحافظة المنوفية وتخرج من كلية الآداب مجازًا في الأدب الانجليزي، قبل أن يدرس السيناريو بمعهد السينما وينال دبلومه في سنة 1964. بعد ذلك عمل لبعض الوقت في تدريس السيناريو لكنه لم يجد في نفسه هوى للعمل الروتيني، إذ شعر بضرورة الانتقال لعمل يستطيع من خلاله بناء شيء يعكس روحه التواقة إلى الإبداع والإصلاح ويجسد مواهبه الفنية وقناعاته وأفكاره التنويرية. ومن هنا انطلق مشواره العملي عبر قيامه بكتابة سيناريو فيلم «جفت الأمطار» الذي أخرجه سيد عيسى سنة 1967 من بطولة شكري سرحان وسميحة ايوب وسهير المرشدي ونعيمة وصفي وشفيق نورالدين حول ترحيل مجموعة من الفلاحين إلى أرض لا تصلح للزراعة، بعد أن نزعت منهم أرضهم لإقامة أحد المشاريع الجديدة.

في سبعينات القرن العشرين دخل في شراكة مع المخرج كمال الشيخ، قدما خلالها أعمالا جذبت الاهتمام وحملت شيئا من قناعات الميهي وانكسارات جيل الستينات بعد هزيمة حزيران 1967 مثل فيلم «شروق وغروب» (1970) الذي كتب له الميهي السيناريو بينما قام كمال الشيخ بإخراجه، وعلى نفس المنوال أفلام «شيء في صدري» (1971) و«الهارب» (1974) وفيلم «على من نطلق الرصاص» (1975)، الذي يعد آخر سيناريو يكتبه الميهي لغيره. وفي السبعينات أيضًا، نجده يبرع في كتابة الدراما النفسية من خلال سيناريو فيلم «أين عقلي» (1974) قصة إحسان عبدالقدوس وإخراج عاطف سالم من بطولة سعاد حسني ورشدي أباظة ومحمود يس وعماد حمدي، ونجده أيضًا يكتب قصة وسيناريو وحوار فيلم «الحب الذي كان» (1973) للمخرج علي بدرخان من بطولة سعاد حسني ومحمود يس وايهاب نافع ومحمود المليجي.

وفي عام 1981 بدأ الميهي رحلته مع الإخراج، حينما أخرج فيلمه الأول «عيون لا تنام» المقتبس عن مسرحية «رغبة تحت شجرة الدردار» للكاتب الأمريكي يوجين أونيل، ووضع له السيناريو والحوار. وقد دخل فيلمه الأول هذا 27 مهرجانًا سينمائيًا وحصد العديد من الجوائز والتقديرات. ثم توالت إبداعاته باخراج وتأليف العديد من الأعمال التي تمرد من خلالها على عبث الواقع يالكوميديا الخيالية أو ما يسمى بالفانتازيا من تلك التي استرعت انتباه النقاد والجمهور على حد سواء ومنها: «للحب قصة أخيرة» (1986) و«السادة الرجال» (1987) و«سمك لبن تمر هندي» (1988) و«سيداتي سادتي» (1989) و«قليل من الحب.. كثير من العنف» (1995) و«ميت فل» (1996) و«تفاحة» (1996) و«ست الستات» (1997) و«عشان الرب يحبك» (2000) و«شرم برم» (2001).

وكدليل على تميز أعمال الميهي، نجد أن فيلمه «للحب قصة أخيرة» حصل على جائزة خاصة من مهرجان كارلو فيفاري الدولي في براغ، وحصل فيلمه الآخر «قليل من الحب كثير من العنف» على الجائزة الأولى في المهرجان القومي الخامس للأفلام الروائية في مصر سنة 1995. إلى ذلك صنف إثنان من أعماله ضمن قائمة أفضل مائة فيلم مصري وهما فيلم «للحب قصة أخيرة» الذي أثيرت ضده ضجة كبيرة من قبل الجماعات المتشددة عند عرضه انتهت بتحويل الميهي وبطلي العمل (معالي زايد ويحيى الفخراني) إلى نيابة الآداب، وفيلم «الأفوكاتو» (1983) الذي أقامت نقابة المحامين المصريه دعوى ضد مخرجه الميهي وبطله عادل إمام وموزعه يوسف شاهين بحجة إساءته لمهن المحاماة وشخصية المحامي «حسن سبانخ» الذي جسده عادل إمام، علما بأن المحكمة حكمت على المدعى عليهم بالحبس سنة قبل أن تحكم لهم محكمة الاستئناف بالبراءة.

ومن الأفلام التي انتجها الميهي بنفسه (عددها 11 فيلمًا)، لكن من إخراج مجدي أحمد علي وتأليف السيناريست محمد حلمي هلال، فيلم «يادنيا يا غرامي» (1996) من بطولة ليلى علوي وإلهام شاهين، وهالة صدقي، وهشام سليم وماجدة الخطيب. وهذا الفيلم حصد أيضًا جوائز عديدة.

وفي مقابلة أجريت معه عام 2000 أفاد بأنه أعجب كثيرًا بعادل إمام وسعى إلى التعاون معه باعتباره واحدًا من أهم ممثلي السينما المصرية فقدما معا فيلم «الأفوكاتو»، مضيفا أنه شعر بعد هذا التعاون مع إمام أن الأخير يختار نوعية معينة من الأعمال التي تحقق له النجومية فقط دون أي اعتبار آخر فلم يكرر التعاون معه لأني «عندما أعمل مع فنان أعمل معه بطريقتي وليس بطريقته». وردًا على سؤال لماذا توقف عن التعاون مع سعاد حسنى قال رأفت الميهي: «كنا شركاء لفترة طويلة لكن مشكلتها إنها تتعامل مع الفن بمنظور أمريكاني وبمنظور اليزابيث تايلور، فالسينما لم تعد سينما النجمة فكان صعبًا أن سعاد حسنى تعيش في هذا الجو فشعرت باكتئاب وهذا هو سبب توقفها وابتعادها».