تمثِّل حادثةُ شبه جزيرة القرم، التي حدثت في يونيو 2021م تحدِّيًا حقيقيًّا لصراع لحرب قد يكون بين دولتين؛ بسبب معلومات مزيَّفة وخطأ تقني! كيف حدث ذلك؟ هنا تكمن القصة.

أبحرت السفينةُ الحربيَّةُ الملكيَّةُ البريطانيَّةُ (إتش إم إس ديفيندر) من أوديسا جنوب أوكرانيا إلى جورجيا، وكانت رحلةً روتينيَّةً، وكان مرور البريطانيين بناءً على حريَّة عمليَّات الملاحة، وممارسة حقِّهم في الإبحار في المياه الدوليَّة، ولتتم هذه الرِّحلة كان عليها المرور بشبه جزيرة القرم التي تحتلُّها روسيا، وعند الإبحار بالقرب منها رفضت روسيا مرور السَّفينة، وتم إبلاغ كابتن السَّفينة ديفندير بتغيير مسارها فورًا، الأمر الذي رفضه الكابتن، وأصرَّ على أنَّها مياه دوليَّة، تصاعد الأمر والتوتر، وحاصرت خفرُ السَّواحل الروسيَّة السَّفينة الحربيَّة البريطانيَّة، وتمَّ إطلاق النَّار كتحذيرٍ على جديَّة الأمر من الجانب الروسيِّ، وأرسلت القواتُ الجويَّةُ الروسيَّةُ عشرين طائرةً عسكريَّةً في الأجواء المحيطة، مرَّت ديفندر بسلام، ولكن كانت قد تؤدِّي إلى مواجهة عسكريَّة خطيرة للغاية.

ولم يدرك الجانبُ البريطانيُّ سبب عدوانيَّة الجانب الروسيِّ غير المُبرَّر، ويعود الأمر إلى أنَّ إشارات نظام التَّعريف الآلي الذي هو جزءٌ من نظام السَّلامة العالميِّ التي كانت ديفندر ترسلها قبل بضعة أيام من الحادثة، وهو نظام يتابع حركة الملاحة البحريَّة، وتنبه النِّظام بأنَّ الديفندر تقتربُ من القاعدة الروسيَّة البحريَّة في شبه جزيرة القرم، وهي على بُعد ثلاثة كيلومترات فقط من الميناء الروسيِّ، الذي به الأسطولُ الروسيُّ الحربيُّ في البحر الأسود، ولكنْ في حقيقة الأمر لم تكن السَّفينة البريطانيَّة قريبةً من الميناء على الإطلاق، وكانت على بعد 19 كيلومترًا.

بعد التحقيقات في الحادثة، تمَّ اكتشاف أنَّ هناك مَن أدخل معلومات مزيَّفة في نظام التَّعريف العالمي أدَّى ذلك إلى تصديق الجانب الروسيِّ لوجود السَّفينة الحربيَّة البريطانيَّة بالقرب من أسطولهم، وعلى الفور تمَّ القرارُ الروسيُّ بمهاجمتها، بإطلاق النَّار والقنابل عن طريق الطائرة الحربيَّة. انتهى الأمر بسلام، ولكن صعد التوتر بين البلدين، وأدَّى الحادث إلى تفاقم التوترات الجيوسياسيَّة القائمة بين روسيا والدُّول الأعضاء في الناتو، وانحصرت التَّحقيقات في معرفة المسؤول عن ذلك التَّزييف، ومَن يحاول إشعال صراعٍ دوليٍّ.

وبدأت الأسئلة: هل مهاجمو مواقع الإنترنت هم المسؤولون عنها، أو شخص لديه خلفيَّة سياسيَّة، أو مشكلة تقنية؟! أكدت تلك الحادثة أنَّ بيانات مزيَّفة قد تؤدِّي إلى عملٍ عسكريٍّ مستندٍ على كذبة، وأكَّد على أهميَّة الأمن السيبرانيِّ، وهو يضاهي الأمنَ الحربيَّ.