الحرب في غزة تزداد ضراوة بعد أن تحولت إلى مذبحة، فإسرائيل قد حصلت على تفويض مطلق carte blanche بقتل الأبرياء من أطفال ونساء وكبار السن في غزة تحت يافطة عريضة عنوانها الدفاع على النفس، ولكن هذا النزاع الذي بدأ في 7 أكتوبر باعتباره صراعاً ضمن نطاق جغرافي ضيق يتوقع له أن يتوسع. إذ تتزايد المؤشرات إلى احتمال انتقال الصراع إلى اليمن، ودخول الولايات المتحدة على الخط للدفاع عن إسرائيل من ناحية وحماية خطوط الملاحة البحرية من ناحية أخرى. وهذا سوف يغير مجرى الأمور بشكل كبير.
وأنا هنا لن أعرج على الموقف الإيراني، الرافض للدور الأميركي، ولا على قلق الصين التي تراقب التطورات الجارية بأهمية بالغة، بل سوف أتناول مباشرة الجانب الاقتصادي، الذي سوف يتأثر بهذه التطورات خصوصاً وأن البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي ليست بحار عادية.
فهذه البحار الثلاثة، التي تشكل فيما بينها ما يشبه حذوة الفرس، ليست بحاراً عاديةً وإنما تجارية بكل ما في الكلمة من معنى. فالبحر الأحمر، منذ القدم لعب دوراً مهماً في التجارة العالمية. وهو اليوم ممر تجاري ينقل في كل عام بضائع تقدر قيمتها بنحو 2.5 تريليون دولار، تمثل 13 % من إجمالي التجارة العالمية. والسبب يعود إلى أن هذا البحر تحيط به دول مهمة يزيد عدد سكانها على 240 مليون نسمة، من ضمنهم بلدنا. وليس هذا وحسب، فالبحر الأحمر لا تمر به البضائع الاستهلاكية والرأسمالية من البلدان المنتجة لها إلى البلدان المحيطة بهذه البحر، وإنما ممر أيضاً لناقلات النفط التي تبحر من الخليج العربي مارة ببحر العرب عبر مضيق المندب قبل المرور بقناة السويس لإيصال مصادر الطاقة والبتروكيماويات من الخليج العربي إلى أوربا.
ولذلك، فليس مصادفة أن تعلن كبريات شركات نقل الحاويات في العالم تعليق عملياتها في البحر الأحمر، مما يعني تحويل مسار السفن إلى طرق أكثر أمناً. كذلك أوقفت شركات الطاقة، ومن ضمنها شركة بريتش بتروليوم البريطانية العملاقة BP، عملياتها في البحر الأحمر حتى إشعار أخر، وحذت حذوها شركة الطاقة النرويجية Equinor ASA وغيرها، التي سوف تحول مسار سفنها بعيداً عن المنطقة.
وكرد فعل على ذلك، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 3.9%، والغاز الطبيعي بنحو 13%. وهذه هي البداية للتطورات التي سوف تحدث فيما بعد، عندما تبدأ العمليات العسكرية وما سوف يتبعها من مخاطر على السفن، بل وربما ضرب المنشآت النفطية، مثل ما هددت جماعات الحوثي.
والصين، التي تسمى المنطقة منطقة الغرب الأوسط، على خلاف التسمية البريطانية الشرق الأوسط والروسية الشرق القريب، تنظر إلى ما يجري بعين القلق. فهذه المنطقة التي تضم دول مجلس التعاون والعراق وإيران هي أكبر مصدر لموارد الطاقة إلى الصين. ولهذا، فإن اندلاع العمليات العسكرية سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار مصادر الطاقة الأولية بشكل كبير. وهذا من شأنه أن يؤثر على معدل نمو الاقتصاد الصيني، الذي يعيش مرحلة حرجة نتيجة العقوبات المفروضة على هذا البلد.
التعليقات