خلال الفترة من 9 يناير إلى 11 يناير 2024، سنشهد، بمناسبة انعقاد الاجتماع الوزاري للوزراء المعنيين بشؤون التعدين ومؤتمر التعدين الدولي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الإعلان عن آخر التطورات التي شهدها قطاع التعدين في المملكة والذي سيرسخ ريادة المملكة وإسهامها في قيادة المنطقة التعدينية الكبرى الممتدة من أفريقيا إلى غرب ووسط آسيا، وتمكين المنطقة من تسخير مواردها الكبيرة وجذب الاستثمارات وتطوير سلاسل القيمة المعدنية عبر المنطقة.

لا يمكن الحديث عن التعدين دون السفر إلى العلا مرآة تاريخ وحضارات الأمم، ومشاهدة آثار المملكة النبطية في أوج ازدهارها، من السياق التاريخي للتطور الأكثر عمقاً من الحجر والفخار يمكنك الحصول على لمحة عن الحياة عبر العصور ورحلة الإنسان مع التعدين التي رافقت البشرية عبر التاريخ إلى المستقبل، فيها تاريخ كفاح الإنسان ونموه، استهلاك البشر للمعادن دائما ما كان حاجة ملحة، ويزداد الأمر ضرورة مع تقدم الوقت نظرا لنمط حياته، حيث يحتاج الإنسان في حياته منذ لحظة ولادته إلى الزنك والرصاص والنحاس والألومنيوم والحديد فقط ما يعادل 20 طنا للشخص الواحد، ومن خلال القيام بجولة في صناعة التعدين سيظهر لك تباين تطور العلوم والتكنولوجيا والارتقاء بالإبداع والازدهار الاقتصادي والحضاري للأمم من خلال تقدمها أو تخلفها في صناعة التعدين إذ أن العالم مليء بالثروات وأن التمايز بين الأمم سببه نقص المعرفة ومحدودية العلم وليس قلة الثروة، ربما تكون صناعة التعدين من أهم الابتكارات في تاريخ البشرية؛ لأنها عززت قدراتهم وأعادت إنتاجهم وتطورهم ونموهم لتلامس احتياجاتهم وعززت الابتكارات والصناعات التحويلية وغيرت وسائل النقل والحرب والتجارة والصناعة والزراعة، وجعلت الثورة الصناعية من البخار إلى الكهرباء حقيقة.

يعكس تاريخ توحيد المملكة واكتشاف النفط وما سبقه من إصرار وكفاح خاضها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود والذي قاد همم أجدادنا وآبائنا السعوديين لتوحيد المملكة وتحقيق الانطلاقة التي غيرت من ملامح ومستقبل هذا البلد العظيم، إن النظر إلى التاريخ الحديث مع رؤية 2030 لبلدنا يجعل عيني تدمع وأنا أشهد انطلاقة قطاع التعدين الذي سيكون ثالث أكبر القطاعات بالمملكة والذي سيلعب دورا أساسيا في تحقيق التحول الصناعي ودعم الصناعة والطاقة المتجددة وضمان سلاسل الإمداد وتطوير سلاسل القيمة وتحقيق تنمية مستدامة تحقق لنا الريادة في وقت يعاني العالم بأسره من تحديات مع توجهه نحو الطاقة النظيفة.

عندما تزدهر البلاد تزدهر لعبة الشطرنج أيضًا. قطاع التعدين في المملكة لا يمكن أن يأتي في وقت أفضل من هذا، الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من مكافحة تغير المناخ ومساهمته في إزالة الكربون وتعزيز أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، والذي عزز في تبني قطاع التعدين من أجل زيادة الاستثمار في الابتكار وتحسين أداء واستدامة تقنيات التعدين وتقليل التأثير البيئي كعامل محفز للازدهار الاقتصادي. وتملك المملكة ميزة هائلة بتموضعها الإستراتيجي في وسط منطقة التعدين الكبرى، حيث تضم منطقتنا 79 دولة تمثل 41 % من دول العالم، وأكثر من 43 مليون كيلومتر مربع من مساحة الأرض تمثل 33 % من مساحة اليابسة العالمية، وأكثر من 3.5 مليارات شخص ييمثلون 46 % من سكان العالم، وأكثر من 9.6 تريليونات دولار من الناتج المحلي الإجمالي الذي يمثل 11 % من الاقتصاد العالمي. ومع ارتفاع الطلب العالمي المتزايد على المعادن والوصول إلى أهداف الحياد الكربوني، سيحتاج العالم إلى 4 أضعاف مقدار الاحتياجات المعدنية لتقنيات الطاقة النظيفة بحلول عام 2040 و50 منجمًا لليثيوم و60 منجمًا للنيكل و17 منجمًا الكوبالت و14x مقدار مضاعفة العرض الحالي من الطاقة الشمسية و14x مقدار مضاعفة العرض الحالي من مبيعات السيارات الكهربائية. قطاع التعدين في المملكة هو خارطة طريق عالمية وصوت عالمي جديد لمصنع معادن العالم، سوف يضع الأساس لتبني الشراكات اللازمة لاستراتيجية قوية ومتينة لتحقيق التحول الصناعي في المملكة، وتضمن ازدهارا عادلا ومستداما على المدى الطويل.

لماذا المملكة العربية السعودية؟
تسعى المملكة إلى إعادة تشكيل سلسلة القيمة من خلال الاستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين والصناعات التعدينية، تم اعتماد وإطلاق الاستراتيجية في عام 2017م، ليصبح قطاع التعدين الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية وفقًا لرؤية 2030 التي تنطلق من ضرورة العمل على تنويع الموارد الاقتصادية ورافدا لفرص عديدة في قطاعات الصناعة والطاقة والخدمات اللوجستية، وتحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية عبر تعظيم القيمة المتحققة من قطاعي التعدين والطاقة، والتركيز على محوري المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة، ليساهم في تعظيم الأثر الاقتصادي وتنويعه واستدامته وريادته، وخلق بيئة استثمارية جاذبة فيها، وتحقيق أهداف السياسة الرئيسة مثل إنشاء سلاسل توريد البطاريات والمركبات الكهربائية.

لقد أتاح الطلب العالمي المتزايد على المعادن في السنوات الأخيرة الفرصة للمملكة لتطوير سلاسل توريد الموارد المعدنية، وأعطت المملكة الأولوية لتطوير سلاسل توريد المعادن الرئيسة التي تمثل أهمية كبيرة لتحقيق التحول الصناعي والتقدم الاقتصادي والأمن القومي، مثل النحاس والألومنيوم والليثيوم والكوبالت والنيكل واليورانيوم والفانديوم والزنك والحديد والبلاتين والتيتانيوم والمعادن الأرضية النادرة والتنغستن والذهب والفضة والبوكسايت وغيرها، وكل هذه الثروات لا قيمة لها دون اعتماد المملكة في استراتيجيتها على ميزات تنافسية بثروة معدنية غير مستغلة تتجاوز قيمتها أكثر من 1.3 تريليون دولار، ومشروعات إنشائية ضخمة بقيمة تتجاوز التريليون دولار، وتوطين سلاسل إمداد التحول للطاقة المتجددة، وتوطين الصناعات العسكرية، وتوطين السيارات الكهربائية، وبنية تحتية على طراز عالمي للصناعات التعدينية وأكثر من 40 مدينة صناعية، وطاقة ومياه بأسعار تنافسية، واتصالات متقدمة، واستثمارات صندوق الاستثمارات العامة في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والتعدين والسيارات والخدمات اللوجستية ودعم سلاسل الإمداد للصناعات المحلية والتي ستخلق قيمة لهذه الثروات والموارد المعدنية وفرصا في العديد من الصناعات.

التعاون الدولي لتوسيع الفرص التجارية

تسعى المملكة إلى بناء سلاسل توريد عالمية أكثر مرونة من خلال العمل مع الشركاء الدوليين لتطوير استراتيجية التعدين وإصدار نظام الاستثمار التعديني وتوفير البيانات والمعلومات الجيولوجية وتعزيز الشفافية تطوير المعايير البيئية والمجتمعية والحوكمة وتنمية البنية التحتية، وتعزيز البحث والتطوير المشترك، وتشجيع الاستثمارات الجديدة وتحسين المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، والمحفزات العديدة للمستثمرين، إن تنسيق سياسات الحوافز الصناعية وبناء سلاسل توريد مرنة في المنطقة سيخلق وظائف مهمة، وسيدعم الصناعات ذات التقنية العالية والصناعات الخضراء التي ستساهم في جذب الاستثمارات وتحسن القدرة التنافسية وتكامل الصناعة والابتكار وسلاسل التوريد، لتسرع التحول نحو الصناعة الخضراء، والذي لا يمكن أن يتحقق بشكل مباشر، بل يتطلب ذلك المرور عبر سلسلة القيمة بأكملها.