في الوقت الذي تتواصل حرب غزة، لا يُظهر العالم كبير اكتراث بالحرب الدائرة في السودان وبضراوتها المتصاعدة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي".

في آخر الإحصاءات التي أوردتها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، فإنّ عدد القتلى في السودان قد ارتفع إلى أكثر من 12 ألفاً، علماً أنّ البعض يقول إنّ الرقم أعلى بكثير. وبلغ عدد النازحين واللاجئين من جراء الحرب 7 ملايين نسمة، ليتسبب ذلك بأزمة لجوء هي الأكبر التي يواجهها بلد من البلدان.

وعلاوة على ذلك، شهدت الحرب في الأسابيع الأخيرة تمدداً خطيراً نحو جنوب الخرطوم وتحديداً إلى مدينة واد مدني التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع. وأدّى ذلك بطبيعة الحال إلى موجة نزوح جديدة لمئات الآلاف الذين كانون نزحوا أصلاً من الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري إلى هناك.

كما تمدّدت الحرب نحو ولاية دارفور في الشرق، حيث تشهد الولاية معارك لا تقلّ حدّة عن تلك التي سادت في العقد الأول من القرن الجاري، وشهدت جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وأسفرت عن مقتل أكثر من مليون شخص وتشريد ملايين آخرين.

ومع انصراف العالم إلى الاهتمام بالمآسي الإنسانية والكارثية لحرب غزة، تراجعت الجهود الإقليمية والدولية التي بُذلت في الأشهر الأولى من اندلاع الصراع لإيجاد تسوية بين البرهان ودقلو. وتكاد تكون واشنطن منشغلة بالكامل في الحرب بغزة ومنع توسعها لتتحول انفجاراً إقليمياً واسعاً قد يقود في لحظة معينة إلى مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.

وما يؤخذ حتى الآن على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، هو أنّها لم تعيّن مبعوثاً خاصاً للتعامل مع الأزمة السودانية، وتالياً هناك تقصير أميركي من الأساس في بذل ما يكفي من الجهود لإقناع طرفي النزاع بوقف النار. إنّ تعيين مثل هذا المبعوث يمكن أن يحشد حلفاء الولايات المتحدة ويملأ الفراغ الذي نشأ عندما تمّ إخلاء السفارة الأميركية في الخرطوم عقب تفجر النزاع المسلح في 15 نيسان (أبريل) الماضي. ولا يبدو أنّ سياسة فرض العقوبات على بعض الأشخاص والمسؤولين المتورطين في النزاع، كافية في هذه الحال.

وحذّرت الأمم المتحدة قبل أيام من أنّ استمرار القتال يهدّد بـ"جوع كارثي" في السودان. وقد اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى وقف المساعدات التي كان يقدّمها في ولاية الجزيرة، بسبب اتساع رقعة القتال. وهناك ناحية مهمّة أخرى، وهي أنّ المنظمة الدولية لم تحصل سوى على 39 في المئة من أصل 2.6 مليار دولار أعلنت عن حاجتها لها، للتعامل مع الآثار المأسوية الناجمة عن الحرب.

استمرار الحرب ستكون له آثار مدمّرة على السودان نفسه وعلى الدول المجاورة، التي لا تخفي قلقها من انعكاس مشهد الفوضى السودانية عليها. وفي مقدّم هذه الدول، تأتي مصر التي نزح إليها أكثر من 300 ألف سوداني منذ بداية الحرب. كما أنّ دولاً أخرى من أثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، تعاني بقوة لتأمين احتياجات مئات آلاف اللاجئين السودانيين على أراضيها.

وما يخشاه السودانيون هو أن تقود الحرب إلى تقسيم آخر لبلادهم، بعد انفصال جنوب السودان عام 2011. واستعار نيران الحرب القبلية والعرقية في دارفور، من الممكن أن تضع البلاد أمام احتمالات وخيارات صعبة وقاسية.

لا أحد يمكنه التنبؤ بمآلات الحرب في السودان، الذي يبدو متروكاً الآن لمصيره، بينما الأنظار تتركّز على غزة وعلى أوكرانيا، علماً أنّ الانعكاسات المدمّرة للنزاع السوداني، تؤثر على جغرافية واسعة من القارة الإفريقية والشرق الأوسط.