هناك نتائج، ودروس، وعبر، يتم التعرّف عليها أثناء الحروب وبعد أن تضع أي حرب أوزارها، وما من حرب كبرت أو صغرت إلا وكان هناك اهتمام بقراءة أحداثها، وصولاً إلى معرفة الأخطاء والتجاوزات منها، ومن ثم معالجة ما يمكن تجنبه في أي حروب قادمة، ينطبق هذا على الدول، والتحالفات، ومن معه الحق، ومن هو ليس كذلك.

* *

في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ظل الجيش الإسرائيلي تاريخياً مدعوماً من أمريكا والغرب لا يلقي اهتماماً بحقوق الفلسطينيين، ويتعامل معهم على أنهم مجموعة من الإرهابيين، وينكر حقهم في أراضيهم، وفي دولة مستقلة لهم، متجاهلاً ما تنص عليه قوانين وقرارات الشرعية الدولية، والمبادرات ذات الصلة بذلك، بإيمان راسخ منه، بأنه يملك القوة ومعاضدة الغرب بإملاء ما يريده على الفلسطينيين.

* *

وفي حرب غزة، وقبلها ما قامت به حماس في 7 أكتوبر من العام الماضي كانت المفاجأة المدوية أن صورة إسرائيل من حيث القوة العسكرية، لم تعد كما كان يُقال بأن لدى إسرائيل جيش لا يُقهر ولا يُهزم، اعتماداً على حروب سابقة له مع الجيوش العربية، فإذا به يُذل ويُهزم ويُقتل أفراده وجنوده وضباطه على أيدي حماس والجهاد ذات التسليح المحدود، رغم دعم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لإسرائيل سياسياً ومعنوياً وبالسلاح الفتَّاك، وهذا هو الدرس الأول.

* *

كان تقدير أمريكا والغرب أن القضية الفلسطينية ماتت اعتماداً على صورة إسرائيل القوية لديهم، وأن هذه القضية لم يعد لها وجود، فإذا بانتفاضة 7 أكتوبر، ثم إفرازات حرب قطاع غزة، وعجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها بتحرير الرهائن، والقضاء على حماس في بضعة أيام، تضع العالم أمام عجز جيش الكيان الإسرائيلي على مدى ثلاثة شهور تقريباً من هزيمة المقاومة الفلسطينية بشكل أذهل العالم، وهذا هو الدرس الثاني.

* *

ولأول مرة في العالم تكون الحالة الفلسطينية، والشعور بظلم حكومة إسرائيل العنصرية تحت المجهر، ويتأكد للجميع أن ديمقراطيتها خادعة وكاذبة، وأن حقوق الإنسان لدى هذا النظام مزيفة ولا يتم الالتزام بأطر الحقوق وقوانينها، وهو ما كانت إسرائيل تدعيه بالتدليس، مستفيدة من الإعلام الغربي الموالي لها، فكانت هذه الحرب بمثابة الفرصة للفلسطينيين لكشف عوار السياسة الإسرائيلية، وضعف الجيش الإسرائيلي، وهذا هو الدرس الثالث.

* *

وجاءت المظاهرات في شوارع عدد من عواصم دول العالم للتنديد بوحشية الجيش الإسرائيلي في قتل المدنيين وهدم منازلهم أحد انتصارات الفلسطينيين في هذه الحرب، وأصبحت حقوق الفلسطينيين واضحة وجلية لدى شعوب كانت مخدوعة في دعمها لإسرائيل، وهذا هو الدرس الرابع.

* *

كانت أمريكا ودول الغرب تتحدث عن حق الفلسطينيين بدولة لهم على أراضي حدود 1967م دون أن تُفعِّل هذا الحق بإلزام إسرائيل بالاستجابة لخيار الدولتين، وتبيَّن في هذه الحرب أن أمريكا التي تُمسك بهذا الملف لم تكن جادة ولا صادقة في ذلك، ومعها حلفاؤها في الناتو، ودعمها لإسرائيل في حرب غزة، واستخدام أمريكا لحقها في مجلس الأمن في منع أي قرار لوقف الحرب أكبر دليل على ذلك، أي أن أمريكا وحلفاءها لم يعودوا في مكان الاعتماد عليهم في حل هذا الصراع، وإقامة الدولة الفلسطينية بعد أن تأكد انحيازها لإسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية المشروعة، وهذا هو الدرس الخامس.

* *

أما الدرس السادس، وهناك دروس أخرى لا يتسع المجال لاستعراضها، فهو أن إسرائيل على لسان رئيس وزرائها ووزراء المالية والخارجية والدفاع وباقي الأعضاء في الحكومة الإسرائيلية العنصرية المتطرفة تعلن أن لا دولة للفلسطينيين، ولا مكان لهم في غزة، وأن على الفلسطينيين في غزة الهجرة إلى مصر، أما من هم في الضفة الغربية فمكانهم الأردن، بمعنى أنه لا خيار آخر أمام الفلسطينيين أمام إصرار العدو المحتل على إنكار الحقوق الفلسطينية إلا القتال مهما كان حجم التضحيات كبيراً، كما هو في غزة.

* *

إذاً المقاومة الفلسطينية ليس أمامها إلا المقاومة، حتى مع عدم وجود تكافؤ في القوة بين الطرفين، والبديل عن الحرب أن يتم قبول إسرائيل وداعميها بدولة فلسطينية، وبذلك يتحقق السلام لإسرائيل والفلسطينيين وشعوب المنطقة، لكن ربما يكون هذا القرار في واشنطن وليس في تل أبيب.