كانت الحرب التي خاضتها مجموعة من الدول العربية بعد إعلان قيام إسرائيل في 15 مايو 1948، ضد الدولة التي نشأت على أنقاض فلسطين العربية، هي الحرب الأولى والأطول زمنياً، فيما بات يسمى بعدها، ولعقود طويلة: الصراع العربي – الإسرائيلي.

وقد تأكدت الطبيعة العربية لهذا الصراع، والتي تتسع عن القضية الفلسطينية الأصلية، مع دخول إسرائيل في مواجهات عسكرية متواصلة مع جيرانها العرب.

حدث هذا بالتعاون بينها وبين بريطانيا وفرنسا، بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، واحتلالها سيناء لشهور قليلة، ثم تكرر في يونيو 1967، بعدوان إسرائيل على مصر وسوريا والأردن، واحتلالها سيناء مرة أخرى، ومعها غزة، التي كانت تحت الإدارة المصرية، وهضبة الجولان السورية، والضفة الغربية لنهر الأردن، ومعها القدس الشرقية. ثم أتت حرب أكتوبر 1973 بين مصر وسوريا والدولة العبرية، بعد حرب استنزاف طويلة، خاضتها مصر عليها، لتكون الحرب الكبيرة الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية. و

مع قيام الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بمبادرته تجاه إسرائيل عام 1977، ثم توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979، بدأت الصراعات المسلحة بين إسرائيل والدول العربية في التراجع والتوقف. وأتت معاهدة وادي عربة عام 1994، لتنهي حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل، وبقي الوضع بالنسبة لسوريا في حالة اللاحرب واللاسلم طوال تلك السنوات، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان.

وكان الغزو الإسرائيلي على لبنان عام 1982، وحصار بيروت، هو الحرب الإسرائيلية قبل الأخيرة في أراضي دولة عربية، وكان هدفها هو مطاردة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقياداتها، وإخراجهم من لبنان، وهو ما تم بالفعل. وأخيراً، أتت حرب إسرائيل مع حزب الله اللبناني عام 2006، لتصبح آخر حروب الجيش الإسرائيلي في أراضي دولة عربية خارج حدود فلسطين التاريخية.

ومنذ هذه الحرب، التي نظم الأوضاع في تلك المنطقة بعدها القرار رقم 1701 لمجلس الأمن الدولي، عاد الصراع العربي – الإسرائيلي على الصعيد العسكري إلى جوهره الأول والرئيس، حيث أصبح الشعب الفلسطيني هو هدف كل الحروب الإسرائيلية، وبداخل أراضيه المحتلة بعد حرب عام 1967. فالانتفاضتان الفلسطينيتان عامي 1987 و2000، نشبتا بداخل هذه الأراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وواجهتهما إسرائيل بأقسى ما تمتلكه من إمكانات عسكرية وأمنية. ثم تتالت الحروب الإسرائيلية الصريحة والصارخة على قطاع غزة، بداية بحرب عام 2008 - 2009، ثم خمس حروب بعدها، تعد الحرب الجارية حالياً، هي الأخيرة منها.

وطوال تلك السنوات، ظل العدوان الإسرائيلي الزاحف على الضفة الغربية متواصلاً بدون توقف، بالتوسع الهائل في الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وقتل واعتقال الآلاف من الفلسطينيين من أبناء مخيمات ومدن الضفة.

هذا التطور لحالة الصراع مع إسرائيل في المنطقة، عبر ثلاثة أرباع القرن، يؤكد أن أصله التاريخي والحقيقي والأخطر دوماً، هو القضية الفلسطينية، حيث استولت إسرائيل على 78 % من أراضي فلسطين، بعد وقت قصير من صدور قرار التقسيم الذي أعطى للشعب الفلسطيني 46 % منها لقيام دولته المستقلة عليها، ثم عادت لتحتل كل الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، بما فيها الـ 22 % التي بقيت للفلسطينيين بعد حرب عام 1948.

هذه العودة لأصل الصراع، تفسر احتدامه وتزايد معدلات الحروب الإسرائيلية على الفلسطينيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تسعى إسرائيل إلى استئصالهم نهائياً من المعادلة، والاستيلاء التام والنهائي على ما بقي من أراضيهم، والحيلولة بكل ثمن دون امتلاكهم لدولتهم المستقلة على هذه الأراضي.

ويفسر هذا أيضاً، إصرار الشعب الفلسطيني، بكل فئاته وفصائله وأجياله، على الاستبسال والصمود في مقاومتهم لهذا السعي الإسرائيلي، وبالتالي، تعدد أشكال هذه المقاومة بحسب المنطقة، من قطاع غزة إلى مدن ومخيمات الضفة.

وقبل كل هذا، فإن التداعيات الخطيرة للحرب الإسرائيلية الحالية على غزة والضفة في المحيط العربي كله، الشعبي والرسمي، تؤكد حقيقة أن كل مظاهر الصراع العربي – الإسرائيلي السابقة، لم تكن سوى امتداد للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأنه ما لم يحسم هذا الأخير وفق مقررات الشرعية الدولية، فإن كل الاحتمالات في المنطقة تظل مفتوحة بلا سقف.