إن الوثائق الرسمية الإسرائيلية، وما جاء نصاً على ألسنة كبار قادتها من سياسيين وعسكريين وضباط مخابرات، تكشف عن أن القتل الجماعي هو عقيدة ملزمة، وأنها مستوحاة من تفسيرات دينية، مقصود بها الاستحواذ على عقول الإسرائيليين، والتحكم في نظرتهم وسلوكياتهم نحو الفلسطينيين. وهو ما ردّ عليه حاخامات ورجال دين يهود في أمريكا، بأن تلك الأفكار لا تمتّ بصلة للدين اليهودي، لكنها محاولة لإلباس السياسة ثياباً دينية للتأثير على عقول الناس.
وإذا كانت تلك المعاني معترفاً بها على ألسنتهم، فمعنى ذلك أن القتل والإبادة الجماعية التي تجري في غزة، لم تكن رداً على أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنها راسخة في عمق تفكير قادة الدولة اليهودية، على طول السنين ومنذ قيامها إلى الآن.
إن الوثائق وشهادات كبار رجال الدولة، جمعها الكاتب الإسرائيلي رونين بيرغمان، وتضمنها كتابه بعنوان «انهض وبادر بالقتل: التاريخ السري لإسرائيل».
المؤلف درس في جامعة حيفا، واستكمل دراسته بجامعة كمبريدج في بريطانيا، وهو مقيم في إسرائيل، وتنشر مقالاته عن موضوعات المخابرات والأمن القومي، بالملحق الأسبوعي لصحيفة «نيويورك تايمز»، كما عمل مراسلًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت».
بيرغمان جمع وثائق كتابه من خلال لقاءات لمدة ثماني سنوات مع كبار رجال الدولة في إسرائيل، منهم رؤساء وزارات، وقادة الجيش، وكبار الضباط، وقيادات أجهزة المخابرات. ثم أصدر كتابه وهو من 750 صفحة شاملًا تاريخ عمليات الاغتيال التي قامت بها أجهزة مخابرات إسرائيل، بعد أن التقى مع ألف شخص من كبار الشخصيات.
وتقول الوثائق، إن مخابرات إسرائيل نفّذت عمليات اغتيال ضد عرب صنفتهم باعتبارهم أعداء لها، وبلغ عدد العمليات التي نفذتها منذ إنشائها وخلال أكثر من 70 عاماً، 2700 عملية على الأقل. ويوضح أنه لم ينشر في كتابه كل ما يعرفه عن إسرائيل.
كان من المهم التوقف أمام عنوان الكتاب الذي يوضح المؤلف أنه استلهمه من عقيدة دينية لدى الإسرائيليين تقول، إنك إذا شعرت بأن أحداً ينوي قتلك فسارع أنت واقتله أولًا. أو لأنك تحتاج أن تقتل لكي تعيش. وإن ذلك كله ارتبط بما رصده المؤلف من عمليات الاغتيالات على يد إسرائيل منذ قيامها وحتى الآن، وهو ما تأسس عليه موقفها تجاه منطقة الشرق الأوسط والعالم. ويقول، إن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة صاروا في السنوات الأخيرة، أهدافاً لعمليات الاغتيال الإسرائيلية. ومن بين الذين التقاهم بيرغمان وحصل منهم على معلومات سجلها في كتابه، رؤساء وزراء منهم شيمون بيريز، ويهود باراك، وإرييل شارون، ونتنياهو.
المؤلف يشير – ضمناً – إلى أن إسرائيل هي التي قتلت ياسر عرفات، ولكنه أوضح أن الرقابة العسكرية فرضت عليه حظراً يمنعه من القول صراحة أنه قتل على يد الإسرائيليين.
ويقول بيرغمان، إن شارون مهووس بارتكاب جرائم القتل، وقد استحوذت عليه الرغبة في قتل عرفات، وهو ما وصفه بيرغمان بجريمة قتل حسب ما ينص عليه القانون الدولي.
بيرغمان يؤكد أن القتل الجماعي إلى حد الإبادة ليس منفصلاً عن العقيدة الراسخة في عقل الدولة منذ قيامها وحتى الآن. وهو ما عبّرت عنه مسؤولة إسرائيلية في تصريح لها برفضها قيام دولة فلسطينية، وقالت: وهل لابد أن يوجد الفلسطينيون أصلاً؟!
يحدث ذلك بينما يعرف اليهود أنفسهم أن كثيرين من قادة إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو، معظمهم علمانيون. حتى أنه لوحظ بعد اشتعال حرب إسرائيل على غزة، ظهورُ رجال دين يهود في أمريكا يقولون علناً إن نتنياهو ومؤيديه ليسوا متديّنين، وإن أفكارهم لا تنتمي لصحيح الديانة اليهودية. وليس بعيداً عن هذا الزيف ما فعلوه من استخدام نصوص دينية وإعطائها معانيَ معاصرة لا تنطبق عليها، وهو ما عبّرت عنه امرأة يهودية في مظاهرة لليهود في أمريكا تدين تصرفات إسرائيل في غزة، وهي تصرخ قائلة: هذا الاحتلال الإسرائيلي ليست له أي علاقة بالدين اليهودي.
التعليقات