قصفت إيران بصواريخها الباليستية قبل ثلاث ليال ثلاث دول مجاورة بليلة واحدة: العراق وسوريا وباكستان.

كان قصف إيران لكردستان العراق محرجاً لولائييها بالعراق الذين يلوكون شعارات السيادة والقرار العراقي المستقل حين يتعلق الأمر بخلاف مع أي طرف غير إيران، مما اضطر الحكومة العراقية - المتفق عليها إيرانياً - لإصدار بيان إدانة بل وتقدم شكوى لمجلس الأمن مستنكرة "العدوان" الإيراني على أراضيها ذراً للرماد بالعيون.

كما قصفت إيران مناطق في شرق سوريا يسيطر عليها الأكراد السوريون و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). وتقول إيران إنها قصفت مواقع تابعة لإسرائيل وللموساد الإسرائيلي الذي تتهمه بتدبير التفجيرات الإرهابية التي قتلت العشرات وجرحت المئات في كرمان بذكرى مقتل قاسم سليماني الرابعة.

القصف والتدخل الإيراني بالعراق وسوريا، والتدخل بالمنطقة العربية وارتكاب المجازر ودعهما الميليشيات الإرهابية في لبنان واليمن كذلك، ليس بجديد، بل إنها قصفت بقيق وخريص بالمملكة العربية السعودية في سبتمبر (أيلول) عام 2019، ولكن التطور الجديد والأخطر بالعدوانية الإيرانية هي قيامها بقصف الأراضي الباكستانية، وطبعاً الحجة التي تسوقها: إرهابيون تدعمهم إسرائيل معادون للجمهورية الإسلامية في إيران!

كانت العلاقات الإيرانية - الباكستانية جيدة جيداً، وبينهما تنسيق على أعلى المستويات، ويحرص البلدان على ضبط حدودهما الممتدة 900 كيلومتر قدر الإمكان على رغم صعوبة ذلك ووعورتها. بل إن باكستان رفضت الانضمام للتحالف العربي الذي قادته السعودية عام 2015 لمساندة الشرعية اليمنية ضد الانقلاب الحوثي لأسباب من بينها التوافق مع إيران.

كانت إيران تركز جهودها الخارجية العدوانية غرباً تجاه المنطقة العربية منذ ما قبل قيام الثورة الإيرانية، وبدأت بعد الثورة بشهور بالتحرشات والعدوانية بقصف المراكز الحدودية مع العراق عام 1980، مما اتخذه صدام حسين ذريعة لشن حرب شاملة على إيران واحتلال بعض أراضيها في سبتمبر من ذلك العام، وأدى لاندلاع حرب ضروس امتدت ثماني سنوات بنتائج كارثية على البلدين.

لم تكن جبهة إيران الشرقية أولوية بتصدير الثورة، وعلى رغم أن أفغانستان قد تحرشت بها أكثر من مرة وقتلت من رعاياها ودبلوماسييها وولائييها المئات، فإنها مارست ضبط النفس بجبهتها الشرقية، وانصبت الاستراتيجية الإيرانية بالتمدد غرباً بالمنطقة العربية بحجة فلسطين والقدس التي تدعي هدف تحريرها بفيلقها المسمى فيلق القدس.

تعيش باكستان حالة مضطربة من الانتقالية السياسية، ويتحكم بها جيش قوي يمتلك قنابل نووية، وتعاني توترات مزمنة مع جارها النووي والقوي، الهند، الذي خاضت معه حروباً متعددة ومناوشات متقطعة منذ استقلال البلاد عام 1947، وسكانها أكثر من 230 مليون نسمة غالبيتهم العظمى من المسلمين السنة، ولديهم تنظيمات سنية وشيعية طائفية متطرفة، كما تعاني من مشكلات اقتصادية هائلة، وبطالة وتضخماً وسلاحاً منفلتاً، ويرتكب المتطرفون بها جرائم إرهابية لا تكاد تتوقف، بعضها طائفي مقيت يستهدف أبناء وطنهم من الشيعة والمسيحيين، وبعضها موجه نحو المؤسسة السياسية والعسكرية.

يستغرب المراقبون قيام إيران بالعدوان على باكستان في وقت لا تحتاج فيه إلى مزيد من الأعداء. فالإيرانيون مهرة "بطقطقة" الحسابات الاستراتيجية، وحاذقون في ترتيب الأولويات، وإذا كانوا يعرفون ردة فعل العراق وسوريا على قصف بلديهما السالبة، فإنهم قد أخطأوا بحساباتهم تجاه باكستان.

لم يكن الجيش الباكستاني ليتجرع مرارة القصف والهوان، وما كان له أن يبدو غير قادر على حماية البلاد من إيران، ناهيك بحمايتها من الهند، فسارع إلى استدعاء سفيره بطهران، ورفض عودة سفير طهران لباكستان (كان في زيارة لبلاده)، وقطع رئيس الوزراء الباكستاني الموقت أنوار الحق كاكر مشاركته بمؤتمر دافوس في سويسرا وعاد لبلاده. ثم شنت باكستان قصفاً بالصواريخ على مناطق في بلوشستان فجر أمس الخميس، أسفرت عن قتل من سمتهم بـ"المخربين"، كما اخترقت طائراتها الحربية الأجواء الإيرانية قرابة 50 كيلومتراً. وأصدر الجيش الباكستاني بياناً يتوعد فيه من مغبة استمرار إيران بالعدوان.

على حسابه على منصة "إكس"، عدد أمير طاهري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" الإيرانية الأسبق والمقيم في لندن، الدول المجاورة أو المحيطة التي اعتدت عليها إيران أو خاضت معها حرباً أو ارتكبت أعمالاً إرهابية بها، فكانت كالتالي:

العراق وسوريا والكويت والسعودية وقطر والبحرين والإمارات وعمان وتركيا وأذربيجان وتركمانستان وأخيراً باكستان. وختم طاهري سلسلة تغريدته بأن العامل المشترك بين هذه الدول هي أنها دول إسلامية، وأن الجارتين الوحيدتين اللتين لم تدخل إيران الثورة معهما في مناوشات أو حروب أو تدخل في شؤونهما الداخلية هما روسيا وأرمينيا!

لا تزال الأجواء متوترة بين باكستان وإيران، ولا يزال محبو السلام والاستقرار يدعون إلى ضبط النفس واحتواء القصف، فقد جاء العدوان الثلاثي الإيراني على سوريا والعراق وباكستان وكأنما هدفه تشتيت الانتباه عن مأساة فلسطين وما يجري في غزة من إبادة!

فهل ترد إيران على الثأر الباكستاني منها؟ وتتدهور الأمور بينهما لحرب شاملة أخرى بين بلدين مسلمين جارين؟ هذا ما لا يتمناه أي إنسان عاقل أو محب للسلام.