ألا يبدو لك الموضوع أكبر من عمود؟ الحديث بكلمة ونصف عن استشراف تحولات الثقافة العربية، يلوح وهماً، حتى لو أردنا به ثرثرةً على ضفاف المستقبليّات، كأن نحلم بنخب من المثقفين العرب، يتساءلون مثلاً: كيف ستكون الموسيقى العربية سنة 2050؟
هل سيظل الملحنون مكتفين بالتلحين، لا علاقة لهم بالتأليف الموسيقي؟ هل سيقنعون بالدوران كالدبّ في القفص، يجترّون مقامين أو ثلاثة؟ هل ستبقى العلاقات العامة والخاصة، هي التي ترفع من تشاء من الأصوات وتهمل من تشاء؟ متى ستحظى موسيقانا بالاستقلال عن الكلمات؟ يقيناً، الأسئلة مجرد حلم، وإلاّ فإن موعد طرحها إنما هو بعد خروج الشعوب من تحت الأنقاض.
نواصل الحلم: ما رأيكم أيّها الرفاق النجباء في مشهد الشعر العربي في منتصف قرننا؟ أم أن الأمر موكول إلى اللجان المختصة في مركز جنّيّات وادي عبقر؟ هنّ سينظرن في قضايا استشراف تحولات الشعر العربي. ثم، لماذا العجلة، فأكبر مركز للدراسات السياسية والاجتماعية والاستراتيجية في العالم العربي، لا يعلم ولا حتى مثقال ذرّة، عمّا سيكون عليه العرب والديار العربية سنة 2050؟
من بين الحلول التي يلجأ إليها الكثير من الشعراء، حين تكون اللوحات التكتونية في احتكاك واصطكاك، أن ينفثوا «فشّات خُلق» موزونة مقفّاة، مثلما تفجّر الحيتان نوافير أنفاسها، حين يطول بها التنفّس تحت الماء، وتخشى أن تغرق، تغرق، تغرق..
لا، أيها الأعزاء، أزيحوا عن أبصاركم غشاوات الأوهام، فلا حديث عن ثقافة عربية، بينما الهوية العربية لم تعد واضحة المعالم. كيف يمكن بحث مستقبل التحولات في الثقافة العربية، إذا كان العرب لا يعرفون شيئاً عمّا ستؤول إليه الأمور في الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، في مقبل الأيام، في التنمية الاقتصادية والنمو السكاني والتعليم والصحة والأمن الغذائي والقومي؟
تخيّل عبثية أن يبحث مثقفو العراق، سوريا، السودان، ليبيا، اليمن، لبنان، خصوصاً، وسائر المثقفين العرب عموماً، مستقبل الآداب والفنون العربية، في حين لا يدري أحد منهم ما هو شكل الخريطة غداً؟
يجب أن تكون الثقافة جزءاً لا يتجزأ من حركة تاريخ الشعوب، وإلاّ تقزّمت الثقافة وانحصرت في أشكال إنتاج سمعي بصري لا تأثير لها في القضايا المصيرية.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحسّرية: يقول المثل: «أضعتَ صفوك في أيّامك الأُوَلِ». كان على المثقفين متابعة هذه القضايا، منذ مطلع القرن العشرين، لا بعد خراب عشرين بصرة. لم يفت الأوان.
التعليقات