عندما انطلق الفلسطينيون في عملية «طوفان الأقصى»، يوم 7 أكتوبر من العام الماضي. سارع كثير من المعلقين العرب؛ الحديث عن قرب انهيار إسرائيل، وتوقعوا مغادرة الكثير من الإسرائيليين، خاصة مَن يحملون جوازات سفر دول أخرى. إلا أنه من المؤكد أن أمريكا اعتبرت ما قام به الفلسطينيون خلال بضعة أيام من أكتوبر تهديداً للوجود الإسرائيلي، مما دفعها لإرسال الأساطيل والقوة العسكرية الأمريكية والأوروبية للدفاع عن الكيان الإسرائيلي والمحافظة عليه.
التداعيات التي تلت عملية «طوفان الأقصى»؛ كشفت عن وجود خطط ليس بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل لكامل المنطقة، التي هي فعلاً تعيش دوامة من الأحداث المأساوية في عدد من بلدانها. وتشمل هذه الخطط كافة بلدان المنطقة، وليس إسرائيل وفلسطين فقط. والمؤشرات التي نشاهدها؛ تكشف عن أن هناك أدواراً يمكن لمن لديه الرغبة والقدرة على المشاركة فيها؛ أن يقوم بذلك ضمن نظام عالمي جديد، بإشراف واشنطن، بدون تحديد ما إذا كانت الصين أو الهند أو روسيا سيكون لها دور فيه. وستحدد التطورات القادمة دور كل منها.
هناك رغبة لدى صناع القرار في أمريكا وأوروبا؛ أن تقوم الدولة الفلسطينية الموعودة. وأن يتم الضغط على إسرائيل لتحقيقها. لكن اليمين الإسرائيلي المتطرف، وعلى رأسه رئيس الوزراء الحالي، يرفض القبول بدولة فلسطينية، ويؤجج مشاعر الإسرائيليين الملتهبة ضد هذه الفكرة. ومثل هذا الرفض سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة. وفي الجانب الآخر فإن السلطة الفلسطينية ترحب بفكرة قيام دولة فلسطينية ذات سيادة. بينما يبدو أن حركة حماس والتي اكتسبت شعبية كبيرة لدى الفلسطينيين مؤخراً، لازالت ترفض القبول بالاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وتطالب بإلغاء إسرائيل. وهو مطلب شعبوي، ولكنه ليس من الحكمة. فإسرائيل كيان موجود، وأثبتت الأحداث الأخيرة أن القوى الكبرى الحالية لن تسمح بإلغائه. بينما سيكون قيام الدولة الفلسطينية بمثابة تتويج لكل مراحل النضال الفلسطيني منذ عام 1948، والتفريط به سيخدم اليمين الإسرائيلي، ويعزز الدولة الإسرائيلية، ويواصل تهميش القضية الفلسطينية لعشرات السنين القادمة.
بالطبع، مطلوب جهود قوية من الدول العربية لدفع الدول الحامية لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للالتزام بتعهدها «الضغط على إسرائيل»، لتحقيق حل الدولتين المطلوب لحل المعضلة الفلسطينية القائمة.
وفي نفس الوقت الذي تؤشر فيه التداعيات التي تلت «انتفاضة الأقصى» إلى تأييد دولي متصاعد لتحقيق حل الدولتين، فإن هناك توجهاً أمريكياً واضحاً لتدشين دولة (غير عربية) في المنطقة كجندي، لا للخليج فقط، بل للشرق الأوسط كله، تتعاون مع واشنطن لصالح سياساتها في المنطقة مباشرةً أو بشكل غير مباشر. وتتوالى الأحداث الكاشفة لهذه الرغبة الأمريكية، التي ترى إسرائيل أنها قد تكون مقدمة لإلغاء دورها الأمني في الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت سيؤدي قيام قوة مواجهة لإسرائيل، حتى وإن كانت تتعاون بشكل غير مباشر مع واشنطن، تعريض المنطقة العربية لضغوط أمنية مقلقة، ولن يكون الأمر مريحاً للعرب أو لتركيا أو حتى باكستان.
مثل هذا التوجه للولايات المتحدة الأمريكية قد تدخل عليه تعديلات إذا فاز الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، بكرسي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المتوقعة بنهاية هذا العام. وسيكون من مصلحة الفلسطينيين استغلال فرصة رغبة إدارة بايدن لحل الدولتين، للاتفاق على الدخول في هذا المسار، قبل أن يعود ترمب إلى البيت الأبيض.
في نفس الوقت، فإن على الدول العربية أن تبحث كيف يمكن أن يكون هناك دور فعال للصين في المنطقة، يتماشى مع مصالحها الاقتصادية المتصاعدة، ويحد من التصرف الأمريكي المنفرد بمستقبل المنطقة العربية. وسيتطلب هذا الأمر تنسيقاً بين القوى والنخب العربية حتى تتوحد المواقف العربية، وتحافظ على مصلحة كل منها.
التعليقات