كان المجد يوماًَ للقنبلة الذرية التي أدهشت العالم وأحنت رؤوس بلاد كان تاريخها يتباهى بمجدها، وإمبراطوريات استعمارية كانت تتخذ غروب الشمس مقياساً لعظمتها. كلها صُدمت وتزعزع كرسي عرشها. تلك اللحظة التي غيّرت وجه القوة في العالم كانت لحظة انتشاء ونصر للبلاد الجديدة؛ حيث كانت تفصلها عن عالم صراع الحروب العالمية بحار زرقاء صافية في سطحها، غامضة مخيفة في أعماقها.. أعماق مظلمة تسعى بكل المال الذي كسبته من تلك الهجرة لتستغله في التربع على عرش القوة عالمياً.. ولم يكن الأمر صعباً. كان للمهاجرين الفارين من الظلم والفقر، قوة وذكاء وقسوة وهي أمور غالباً من تمتلكها كل الشعوب التي تُظلم، لكن الميزة الأهم هنا (الثروة). هنا أجاد المهاجرون استغلالها أولاً.. لتهميش أصحاب الأرض التي احتلتها، ثم زيادة الثروة التي استولت عليها ومن ثم العمل على تكريس القوة بأهم أدواتها. «المال والسلاح والإعلام» هذه عناوين القوة التي سعت إليها. عمل المهاجرون الجدد بذكاء يستحق أن يُدرس، لم ينسوا سلاحاً مهماً بدا عادياً إلا وطوّره، سيطروا على أسواق المال وسيطروا على وكالات الأنباء وهي المدخل الأهم؛ حيث لسلاح الإعلام قدرة فائقة على مهاجمة الفكر والروح ليُسخر كما تشاء مصالحهم. وكلما تطورت وسيلة إعلام تجدهم وراءها وقد رصدوا لها المبالغ الإمكانيات الكبيرة لتكون طوع مشاريعهم في السيطرة على العالم..
بعد أن استعراض عضلاتهم المدهشة في إبادة (هيروشيما) و(ناكازاكي) بضغطة زر كان لا مفر من الخضوع لمجد قوتهم. وهم لم يكتفوا بذلك قاموا بتقديم العون المادي السخي لتعمير ما تهدم في أوروبا. وإن بدا هذا تصرفاً إنسانياً، لكنه في طياته لا يعدو مجرد كابوس جديد لأوروبا التي أصبحت مقيدة بالديون لهم (أي مُطيعة بقرارها المُصادر)، لكن بالمقابل برزت فئة من المثقفين القلقين من هذه القوة المهيمنة، أمثال الكاتب والسياسي (نعوم شومسكي) (وهو بالمناسبة يهودي ألّف نحو 100 مؤلف وكان لمقالة له نشرت في صحيفة (نيويورك تايمز) بعنوان «مسؤولية المثقفين» أثر كبير في شهرته) وهو من أشد المناهضين للسياسة الخارجية الأمريكية من أهم كتبه بحثاً مستفيض بعنوان (الهيمنة أو البقاء؟) أفكاره تمركزت على الهيمنة من خلال وسائل عسكرية وسياسية واقتصادية، وهو يؤكد أن أمريكا خلال قيامها بذلك أظهرت بشكل متكرر تجاهلاً تاماً للديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو يؤكد أن الصراع من أجل الهيمنة العالمية يهدد وجود البشرية نفسها بسبب الانتشار لمتزايد لأسلحة الدمار الشامل.. ينتقد الكاتب دعم حكومة أمريكا للأنظمة المسؤولة عن الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان. بما في ذلك التطهير العرقي والإبادة الجماعية. ويتابع أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة سواء كانت خاضعة لسيطرة الإدارات (الجمهورية) أو (الديمقراطية) تتبع نفس الأسلوب والأجندة المتمثلة في الوصول إلى الموارد المربحة للحفاظ على هيمنة العالم.
لكن الفكر الخبيث استوعب تلك الأفكار وبرر الإبادة الجماعية التي أحدثتها القنبلة الذرية كونها تطوراً علمياً وأن أسرارها لن تُسرب وستبقى باليد الأمينة على مصالح العالم، ولتأكيد نوياها الراقية أنشأت أمريكا منظمات إنسانية مثل الأمم المتحدة عام 1945 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. بهدف أن ينسى العالم (هيروشيما) ومآسي الحرب والخوف من هذه القوة الآلية القادمة من وراء البحار. بدأت أمريكا (الممول الأكبر لهذه المنظمة) برسم صورة جميلة لها تمتص بها مخاوف العالم، هي الدولة الطيبة المساعدة ذات القيم الإنسانية. ومنها انبثقت منظمات ومؤسسات دولية تحرص على حماية حقوق الإنسان. مثل المفوضية السامية لحماية حقوق الإنسان وتقع على (الخارطة الجغرافية) في مدينة (جنيف) لكن على (الخارطة الإنسانية) تقع (كما غيرها)؛ حيث يشاء الممول الأكبر في الأمم المتحدة. اليوم نتوقف عند وكالة (الأونروا) التي أنشأت عام 1949 أي بعد النكبة. أنشئت لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، طبعاً بدعم الأمم المتحدة وحُددت لها خدمات التعليم والصحة والإغاثة ويوجد اليوم 5 ملايين لاجئ فلسطيني يستحقون هذه الخدمات. وبموجب القانون الدولي أطفال وأحفاد اللاجئين يحتفظون بصفة لاجئ. لكن اليوم يثار موضوع قديم هو إلغاء هذه الوكالة، وهذه قضية برزت اليوم أكثر مع ازدياد عدد اللاجئين بعد الحرب على غزة وتعرضهم لأشد أنواع التعذيب والجوع وقطع المساعدات الإنسانية. وأهم من ذلك كله بنظرهم رفض صفة لاجئ بهدف توطينهم في البلاد التي يخططون لتهجيرهم إليها. كثرت المجازر ووصلت إلى حد نبش القبور وسرقة الأموات فاقت الجرائم كل التصورات.. سؤال لا بد أن يسأل.. لماذا؟ ولماذا اليوم وسط هذا الصمت العالمي المحير؟ الجواب يأتينا بلا استيحاء من أودية الذكاء الممولة بسخاء والتي تعمل بجهد من أجل قوة آلية تبهر العالم وتخرس أصوات المشاغبين الرافضين لعلم يعد بالهيمنة الشاملة حتى على «عقل الإنسان».. هذه الاكتشافات تحتاج إلى حقول بشرية تجري بها تجاربها المختبرية الواعدة.. كانت هذه قضية، حتى جاءت غزة فرصة ذهبية.. بقعة صغيرة تزعج إسرائيل وفي بحرها ثروة وهي على الخريطة أصغر من نقطة.. كيف يكون لوقف الحرب مُطالب.. قبل أن تنتهي التجارب؟ لا تسأل.
المجد للقوة في الزمن الآلي.. زمن يتحكم بالأرض وبعقل الإنسان.. هل بقي كلام؟
التعليقات