هوى البعض تكرار مقولة إن أهل الكويت جُبلوا على عمل الخير، وأن خير الكويت وصل لكل أنحاء العالم!

تتضمن المقولة، حاليا على الأقل، مبالغة، فقد أصبح معظم «العمل الخيري»، في العقود الخمسة الأخيرة، وسيلة إثراء شخصي، ووسيلة لتمويل أنشطة غير قانونية، في الداخل والخارج، فأموال الجمعيات الخيرية، التابعة لأحزاب سياسية، تسمح لها فتوى باستخدامها في الصرف على تمويل الحملات الانتخابية، وهذا يعني إيصال ممثليها للبرلمان. كما أن جزءا مما تدعي هذه الجمعيات أنه يرسل للخارج للصرف على مشاريع معينة لا يُعرف مصيره، على الرغم من ادعاء قيام وزارة الخارجية برقابة تلك المشاريع، وهذا غير دقيق غالباً، فالوزارة تفتقد أصلاً للكوادر التي بإمكانها القيام بمهمة الإشراف!

كما أن ادعاء أن خير الكويت غطى العالم مبالغ فيه، على الأقل ليس في جانبه المؤسسي. فعندما كان الخير يخرج من جيب المتبرع، أو ورثته، كان صحيحاً وجميلاً، ولا يزال، أمراً عظيماً. ولكن إن كان عملاً عاماً، كجمعية خيرية، فإن الهدف يكون، غالباً، ليس من أجل الخير نفسه، بل، غالباً، لتحقيق منفعة للجهة المعنية، أو للقائمين على المشروع. فهؤلاء لهم الحق، شرعاً، في استقطاع %20 مما يقومون بجمعه من تبرعات، وكان التبرع، ربما لا يزال، يخضع لنسبة الاستقطاع نفسها إن كان لتنفيذ مشروع خارج الدولة، لكن «الشؤون» تدخلت، وبعد أكثر من نصف قرن من التردد، وخفضت نسبة الاستقطاع إلى %12.5، وهي عالية جداً، ومدعاة للفساد! ولم يكن غريباً أن الكثيرين حققوا لأنفسهم وأسرهم ثراء من هذا النشاط، ولا يزالون يحققون ذلك. علماً بأن «الشؤون» غير قادرة، كما يبدو، على رفض طلب تأسيس المزيد من الجمعيات، حتى لو كان طلب الإشهار مشابهاً تماماً لأهداف جمعيات أخرى.

* * *

الوقف فكرة إنسانية قديمة، وليست إسلامية فقط، كما ورد في موقع «الأوقاف»، فقد عرفها العالم أجمع وأتقن استغلالها بطريقة أكثر فعالية منا. فالوقف في دولنا لا يتعدى غالباً إطعام الفقير وعلاجه، وبناء دور العبادة، ونادراً ما كان في اتجاهه الصحيح، المتمثل في تعليم الفقير كيف يكسب قوته، بدلاً من انتظار من يطعمه. فالكثير من جامعات الغرب قامت من أموال وقفية، وكذلك معاهد علمية ومستشفيات ضخمة، ولا يزال ما أوقف للصرف عليها يدر عليها الكثير، وخير مثال جائزة نوبل، وما تدفعه سنوياً للفائزين بها من ملايين الدولارات. وهذا ما نفتقده كثيراً في دولنا، وربما تعتبر قصة تأسيس المدرسة المباركية من تلك الأمثلة النادرة، وذلك عندما أوقف عام 1910 أبناء الخالد، وسيدة منهم، بيتين لبناء المدرسة عليها، وكانت مبادرة نادرة ورائعة لم تتكرر كثيراً، والأسباب معروفة، ولا يمكن التطرق لها.

تُعد إدارة أوقاف المسلمين في الكويت قديمة، وتعود لعام 1920 ثم تولت الحكومة أمر الإشراف عليها عام 1949 ولتصبح بعد الاستقلال ضمن وزارة الأوقاف.

مع تزايد أهمية الوقف، قام وزير الأوقاف علي الزميع، بعد التحرير، بإنشاء أمانة عامة، وتم تعيين شخص محسوب على الإخوان أميناً عاماً، بصلاحيات واسعة، وكانت السيطرة على الوقف من ميادين الصراع بين السلف والإخوان، بسبب ما لدى الأمانة من رصيد نقدي ضخم وأسهم وعقارات، لذا تسربت التجاوزات إليها أحيانًا. كما كانت أداة حكومية لشراء مواقف نواب بعض الأحزاب الدينية!

ربما جاء وقت قيام «الحكومة الجديدة» بالتفكير جدياً، بعد تجارب مريرة، استمرت لأكثر من ثلاثين عاماً، بتعيين شخصية ليبرالية نظيفة ومستقلة، لإدارة الوقف، بعيداً عن صراع الأحزاب على أموالها!