مرّت علينا في الأيام القليلة الماضية ذكرى رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، مؤسس هذه الدولة وبانيها ومؤسس نهضتها المباركة الحديثة. ونحن إذ نتذكر رحيل الوالد المؤسس عن هذه الدنيا الفانية نشعر بغصة عميقة وبحزن وألم شديدين على رحيل والد عطوف وأب حنون لشعب أحبه حباً شديداً وبادله رحمه الله نفس المشاعر الجياشة في حب أبناء وطنه وشعبه.
إن محبة شعب دولة الإمارات لزايد لا يمكن أن توصف في كلمات قليلة وتحتاج إلى مجلدات لكي يوفي الرجل حقه كاملاً، فمحبة أبناء الإمارات لوالدهم وقائدهم الراحل لم تأت من فراغ، بل من أعمال وأفعال جليلة قام بها لهم ولصالح وطنهم. إنهم يذكرون له حياة مديدة أفناها في فعل الخير وتراث مجيد استفاد منه ملايين البشر على وجه الأرض، لكنه خص بني وطنه بالنصيب الأكبر والأوفر من ذلك الخير.
كان، رحمه الله وطيب ثراه، زايد الخير بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنى، فهو صاحب مسيرة العطاء التي بدأت باكراً حين كان ممثلاً للحاكم في المنطقة الشرقية لأبوظبي، وهو صاحب المناقب الأخلاقية والإنسانية والمكارم التي عمت أهل البلاد وغيرهم من البشر وهو رجل المبادئ الراسخة التي لا حياد عنها في خدمة الوطن وإنسان هذا الوطن والبشرية جمعاء أينما وحينما وحيثما يتواجد بشر محتاجون إلى المساعدة والعون والحماية من ويلات الحروب والفقر والجهل والمرض.
وفوق كل هذا وذاك هو زايد الخير، الأب الوالد المؤسس لهذا الاتحاد الذي يضمنا جميعاً تحت مظلته ومذلل الصعوبات والتحديات التي واجهته في بداية تأسيسه. وقد استمر في تلك المسيرة المباركة وحافظ على تماسك وترابط الدولة الاتحادية إلى أن أسلم الروح إلى بارئها.
وبقراءة متأنية للتراث الذي تركه على صعيد العمل الوطني خدمة لدولة الإمارات وشعبها يتضح بأن أهدافه الأساسية كانت تتمحور حول توفير حياة حرة كريمة لشعب الدولة والمقيمين على أرضها وتثبيت أركان الاتحاد والأسس التي يقوم عليها وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة فيها بما يضمن نهضتها وازدهارها وتقدمها. وفي إطار تحقيق ذلك كان، رحمه الله، يقوم بجولات تفقدية في جميع إمارات الدولة لكي يقف بنفسه على أحوال المواطنين ويرى ما يحدث لأمور معيشتهم ويتعرّف على احتياجاتهم وتطلعاتهم وأمانيهم ومشاكلهم، ولمتابعة المشاريع التنموية التي تنفذها الدولة على صعيد الخدمات الأساسية كافة من تعليم وصحة وإسكان وخدمات اجتماعية متنوعة.
ورغم أن جهود زايد في بناء هذا الوطن وخدمته شملت كل مجال، ولم تترك زاوية من زوايا الوطن وتركت فيها تأثيراً وبصمات إلا أن من أولوياته الأساسية كان نشر التعليم الحديث إيماناً منه بأهمية التعليم ودوره في التنمية وفي بناء الإنسان الذي هو محور التنمية. وقد توجت جهوده في هذا المجال بتوسيع قواعد التعليم على أسس علمية تواكب حاجات ومتطلبات العصر الحديث، فأصدر توجيهاته بإنشاء أول جامعة في الدولة، وهي جامعة الإمارات العربية المتحدة.
وفي المجمل لا يمكن لنا حصر إنجازات زايد، طيب الله ثراه، في مجرد مقال كهذا، فهي من الكثرة والاتساع بما لا يمكن حصره، وما أوردناه من إنجازات هو أمثلة عابرة فقط، لكنه حقيقةً قدم الكثير والكثير الذي غمر فضله وفوائده الجميع على كل صعيد وفي كل مجال. كان، رحمه الله، يضع نصب عينيه الأهمية الحيوية لدولة الإمارات وشعبها في هذا العالم، مدركاً التحديات الكبرى التي تواجهها كوطن وكدولة حديثة ناشئة والأماني السامية التي تتطلع إليها، وكل هذا كان يشعره بالمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقه وما يفرضه ذلك عليه بأن يكون مؤدياً لتلك المسؤولية، فكان أهلاً لها من حيث القدرة الفائقة على العمل الدؤوب وإيصال الليل بالنهار لتحقيق الإنجازات الكبرى وعلى البذل والعطاء منقطع النظير. نسأل الله العلي القدير أن يشمل زايد برحمته الواسعة وأن يسكنه الفردوس الأعلى من جنات الخلد.
*كاتب إماراتي
- آخر تحديث :
التعليقات