قلت للقلم: ما لي أرى ذهنك يقدح شرارات لاذعة؟ قال: مررتُ بزمرة قضايا من بينها واحدة ماكرة، لا تُنزع من الذاكرة. سمعتها تقول: ماذا لو قرّرتْ دول العالم الموصوف بالثالث، الذي تردّى أكثره إلى الثلاثين، وتلك التي نعتوها بالنامية، فإذا بها نائمة، أن تتخلّق بأخلاق الإمبراطوريات التي انقضّت على الذين استُضعفوا في الأرض، في آسيا وإفريقيا بالذات؟


قلت: لن يكون ذلك مستغرباً، فابن خلدون يزعم أن المغلوب يقلّد الغالب، ونسي أن التقليد في هذا المجال غالباً ما كان في توافه الأمور. مثلاً، العالم العربي ذاق ألواناً من الاستعمار الغربي، فهل قلّدْنا الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية في تشييد صروح البحث العلمي على مناهج التربية والتعليم المتطورة؟ هل أسّسنا أنظمةً ديمقراطيةً يتمتع فيها الناس بحريّات الفكر والرأي والتعبير؟ الكاتب العربي إذا طبع من كتاب خمسة آلاف نسخة، مشى في الأرض مرحاً وبلغ الجبال طولاً. هل ارتقى التقليد إلى فضاءات الموسيقى الجادّة؟ هل اقتحم العربي على القوى العظمى سوح المنافسة في عظائم الصناعات العسكرية؟ وهل، وهل؟

قال: طريف أن تفكر في ما يمكن أن يحدث للغرب من صدمات لاسعة، لو فوجئ يوماً بأن دول العالم غير الغربية، قرّرت أن تكون على صورته في سلوكياتها السياسية والدبلوماسية؟ أليس يدّعي أنه هو أبو القيم الحضارية وكيّالها، وأنه هو القدوة فيها، وبقية الكوكب أدغال يريد تحريرها ونشر الديمقراطية فيها، مثلما فعل بالعراق وليبيا وسوريا؟ فجأةً، يكتشف أن تلك الدول اقتفت أثره، فلم تعد تعرف إلاّ قلب الحقائق والمغالطات، والتزوير الإعلامي، فتصير الوسائط السمعية البصرية تستمد قيمها وفنون تحريرها، من مسيلمة الكذّاب وسجاح التميمية وعرقوب، انتهاء بجوبلز.

قلت: إن القوة حين تُجاوز الحد في التضخم والتعاظم، يجب أن تتحلى بالحكمة البيولوجية، فالفيروس لا يشكّل حتى واحداً من المئة تريليون من جسم الإنسان، ولكنه يستطيع أن يطيح بالفيل. «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة» (البقرة 249)، ثم القانون القاطع: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض» (البقرة 251). هل كانت قوة في العالم في القرن الرابع الهجري، تجرؤ على أن تفعل بالعالم العربي ما قاساه العرب في التاريخ المعاصر؟

لزوم ما يلزم: النتيجة النظرية: حين يحين انحدار القوة المتضخمة، تصاب بغباء يقودها إلى أخطاء قاتلة.