قبل عشرين عاماً، أطلق أخي «جون زغبي» على المنافسة الرئاسية في ذلك العام اسم «انتخابات هرمجدون» (أو انتخابات المعركة الفاصلة)، في إشارة إلى الطريقة التي وصف بها كل جانب المخاطر التي تهدد البلاد والعالم في حالة فوز الجانب الآخر.

ومنذ ذلك الحين، تم استخدام هذا المصطلح لوصف كل انتخابات رئاسية، ولا شك أنه سيتم تأجيله وإعادة استخدامه مرة أخرى في عام 2024، ويبدو أن هذا الوصف يستند لأسباب وجيهة. كما يجادل الكاتب الأميركي «ستيفن والت» بشكل مدروس في مقال نُشر مؤخراً في مجلة «فورين بوليسي»، فإن الاختلافات الأكثر أهمية بين الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس جوزيف بايدن لا تكمن في مجالات الشؤون الخارجية. بالنسبة لأهم التحديات الدولية التي نواجهها -أوكرانيا والشرق الأوسط والصين- فإن السياسات في إدارة ترامب أو بايدن الثانية ستتبع نفس المسار إلى حد كبير.

لكن الصراع حول ما إذا كان يجب الانخراط في «هرمجدون» أو تجنبها سيدور حول القضايا التي تهم الجبهة الداخلية. ما زلنا في وقت مبكر من التقويم المبدئي، ولكن مع عدم مواجهة بايدن أي معارضة حقيقية لترشيح الحزب «الديمقراطي» وتغلب ترامب على مجموعة كبيرة من المنافسين «الجمهوريين»، يبدو أن مباراة العودة بين بايدن وترامب أمر لا مفر منه. تُظهر أول انتخابات تمهيدية قدرة بايدن وترامب على الفوز، ولكنها تُظهر أيضاً نقاط ضعفهما.

وقد صدق أنصار ترامب رؤيته التي تشبه الكابوس لأميركا حيث تعمل بعض النخب على تدمير ثقافتنا التقليدية وتسمح لبلادنا بأن يجتاحها الأجانب الذين يستولون على وظائفنا، ويجلبون الجريمة والمرض، و«يلوثون دماءنا». وأصبح أنصار الرئيس السابق يعتقدون أنه يجب الدفاع عنه في مواجهة التهديدات من قِبَل جهات إنفاذ القانون، والمحاكم، ووسائل الإعلام، وقبلوا تفاخره بأنه (وهو وحده) قادر على إنقاذ أميركا من الدمار وفوضى كارثية.

وفي الوقت نفسه، يشير أنصار بايدن إلى القضايا العديدة التي رفعها ترامب أمام المحاكم بشأن جرائم تتراوح بين الاحتيال المالي والمساس بأسرار الحكومة وتشجيع التمرد، ويشيرون إلى أن تهديداته بالانتقام ورفضه قبول نتائج الانتخابات الماضية تفضحه باعتباره مستبداً يهدد الديمقراطية في أميركا.

ولكن في حين تبدو مباراة العودة في شهر نوفمبر المقبل مثالاً كلاسيكيا لانتخابات «هرمجدون»، إلا أنها تأتي مع اختلاف. في ظل الوضع الحالي، تمثل هذه الانتخابات منافسة لا يريدها العديد من الناخبين، ولا يشعر بالحماس نحوها حتى بعض الحزبيين. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن أربعة فقط من كل 10 ناخبين راضون إلى حد ما عن مباراة العودة هذه. يتمتع كلا المرشحين بموافقة منخفضة وتقييمات أقل للأداء الوظيفي. وحتى بين أعضاء الحزب، فإن كل منهم يحصل على نسبة 70% فقط من الأصوات.

والنتيجة هي أن هذه الانتخابات، التي تمثل صداماً بين رؤيتين متباينتين بشكل كبير لمستقبل الأمة، تضم حملة لواء يفشلون في إثارة اهتمام العديد من الناخبين. ويواجه ترامب مشاكل مع «الجمهوريين» الذين يشعرون بالفزع من سلوكه السياسي والشخصي.

أما الصعوبات التي يواجهها بايدن مع قاعدته الديمقراطية، فتأتي من الناخبين الأصغر سنا وغير البيض، الذين يشعرون بالقلق إزاء قدرته تجاه الوفاء بوعود حملته الانتخابية لعام 2020 بشأن إصلاح نظام الهجرة وأولويات الإنفاق المحلي، ناهيك عن دعمه غير المشروط لحرب إسرائيل على غزة. وعلى الرغم من رد الفعل الفاتر تجاه كلا المرشحين، إلا أن المنافسة في استطلاعات الرأي الوطنية وجهاً لوجه متقاربة، حيث لم يتجاوز أي منهما نسبة 50% على الإطلاق. وعندما يتم إضافة المجموعة الباهتة الحالية من مرشحي «الطرف الثالث» إلى هذا المزيج، تنخفض الحصة التي حصل عليها بايدن وترامب إلى أقل من ثمانية من كل 10. وهذا الوضع يخلق بيئة مشجعة لمرشح مستقل أكثر جدية لتحدي مرشحي الحزبين.

في تلك المرحلة، ستكون هذه الانتخابات تدور حول تنافس ترامب وبايدن لكسب الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بينما يحاولان تعزيز دعمهما بين أعضاء الحزب الأقل حماسا، مما يؤدي إلى تكثيف الحزبية. وفي الوقت نفسه، سيعمل مرشحو الطرف الثالث على كسب تأييد الناخبين الساخطين على كلا الحزبين والذين يشعرون بفتور تجاه مرشحيهم. من المؤكد أن كلا الحزبين الرئيسيين ولجان العمل السياسي الداعمة لهما سيكون لديهما مليارات الدولارات لإنفاقها في نوفمبر. وسيستخدمون ثرواتهم للترويج لسجلات مرشحيهم، وعرض رؤيتهم المتناقضة، وانتقاد خصومهم.

وهنا يصبح الأمر قبيحاً. إن المليارات التي يتم إنفاقها على الإعلانات الهجومية ستؤدي إلى تفاقم الاستقطاب، مما يزيد من الشعور بأن هذه انتخابات فاصلة.

وستكون النتيجة الثانوية الإضافية للإعلانات السلبية هي المزيد من تقلص الاهتمام بين الناخبين المستائين بالفعل من اختياراتهم. وعندما تنتهي الانتخابات، بغض النظر عمن سيفوز، سنصبح أكثر انقساماً، وستكون ديمقراطيتنا الهشة ووحدة بلادنا في خطر أكبر.