في الأول من رمضان الموافق لـ11 مارس الجاري، بدأ العمل بالتنظيم الجديد لضوابط ايقاف الخدمات، والتي كانت مباشرتها تتم من قبل قضاء التنفيذ السعودي، ومعه بعض الاجهزة الحكومية كالمرور والشرطة والاحوال المدنية وغيرها، وسبق ذلك بأيام قليلة جدل حول المادة 46 من نظام التنفيذ وان قرار مجلس الوزراء يشملها، وهو استنتاج غير صحيح، لان القرارات السيادية، وبالأخص الأمرين السامي والقضائي، لا يلغيان الا بقرار من نفس درجتهما، واجراءات التنفيذ تم تخفيفها وحصرها في الامور ذات الطبيعة المالية، منذ اعوام، وقد صرحت بذلك وزارة العدل في وقته.. عندما قالت إن المنع من السفر يتم اقراره بحسب الوقائع والحالة، مع عدم السماح بسجن من اعمارهم 60 عاماً فأعلى، ومن تقل مديونيتهم عن المليون ريال أو ما يعادل 267 الف دولار، واعتبار المساس بكل ما يرتبط بالعلاج والتعليم والعمل والأمور المشابهة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، وبالتالي فما حدث مؤخرا، يتعلق بالاجهزة الحكومية، وتحديداً التي كانت تمارس ايقاف الخدمات خارج دائرة قضاء التنفيذ، وبما يؤدي الى حرمان الشخص وتابعيه من خدمات أساسية، ولعل الاعجب هو انتهاء مدة رفع ايقافات الاجهزة الحكومية، ومازال هناك ما يزيد على 157 الفا و200 ايقاف لم يتم رفعها.
الجهاز الحكومي في الظروف الحالية، لا يستطيع ايقاف الخدمات استنادا لتقديراته الذاتية، وعليه ان يتقدم بطلب لمنصة ايقاف الخدمات الموحدة، والتي تضم في هيكلتها ممثلون لـ13 مؤسسة حكومية وخاصة، بما فيها هيئة حقوق الانسان، ولديها لجنة تنظر في الطلبات وتقيمها، وفي حالة قبولها، تقوم بإخطار من ستوقف خدمته، وتعطيه مهلة للتصرف، ويأتي الايقاف على ثلاث مراحل: خفيفة ومتوسطة وعالية في تأثيرها، وبواقع شهر لكل مرحلة، بالاضافة الى ان الايقاف مقيد بالمنفذ ضده، ولا يتعداه الى اعماله المشتركة مع آخرين، أو الى عائلته وابنائه، وبما يبعده عن سردية تاجر البندقية، في رواية ويليام شكسبير المعروفة، والتي اشترط فيها التاجر (شيلوك) على احد مدينيه، ان يقتطع مديونيته من لحمه، اذا لم يسدد.
الناس يدخلون انفسهم في الديون لاسباب شكلية، فقد اكدت دراسة في 2014 اجرتها مؤسسة (موني هيلبر) الحكومية في بريطانيا، على ثلاثة آلاف بالغ من الجنسين، ان 56% من بينهم يصرفون مبالغ اكبر مما توقعوه، عند تواجدهم في المناسبات الاجتماعية، ويحدث هذا بسبب جلوسهم مع آخرين يتحرجون من نظرتهم السلبية، ولاحظ معهد ستانفورد الاميركي للابحاث ان 70% من الاميركيين يمارسون ذات السلوكيات لنفس الاسباب، تماما كما هو الحال في احتفالات الزواج والمناسبات الكبيرة في المجتمع السعودي، والتي تكون خاتمتها ديونا تلاحق الشخص لاعوام، وربما اوقفت خدماته بسببها، ونشرت مجلة الاوبئة الاميركية بحثاً في 2020، وجد ان الاشخاص الذين يعانون من مشكل مالية بسبب الديون، يكونون اكثر عرضة للانتحار بمعدل عشرين مرة، عند مقارنتهم بمن ليست لديهم ضغوط اقتصادية.
قيادات وزارة العدل قامت بأعمال جليلة ومشكورة، ولكن المشكلة في بعض القضاة الصغار، ومن يعمل معهم من الاداريين والكتبة، و(نزاهة) ضبطت عينة من هؤلاء في فترات سابقة، فمن غير المعقول ان يتخرج الشخص في عمر الحادية والعشرين، ومن ثم يصبح قاضياً بعد أن يتدرب مع قاضٍ أقدم لمدة ثلاثة اعوام، فالقضاة الحاليون تبدأ اعمارهم من سن 24 عاماً، وقي المقابل نجد ان الضابط المحقق في جهاز الشرطة السعودي، قبل قيام الادعاء العام والنيابة العامة، لا يكلف بالتحقيق في الجرائم الكبيرة والحساسة، الا بعد خبرة لا تقل عن عشرة أعوام، والمعنى ان عمره يكون في حدود 30 عاماً، وما يقوم به لا تصل خطورته الى الخطأ في الاحكام القضائية، وما قد ينطوي عليه من انتصار للظالم والمتلاعب والمتعسف في استخدام حقه.
بخلاف ان بعض القضاة يبصم على ما يجهزه الكتبة، وهؤلاء في الواقع هم من يصدر الاحكام احياناً، وموظفو البنك المركزي يقعون في اخطاء فادحة، واعرف واقعة افادت فيها (سمة) بعدم وجود مبالغ في حساب احدهم، مع انها موجودة ومحجوزة، ولم ترفع ايقاف الخدمات عنه الا بعد مداولات استمرت لستة أشهر، والأصعب ان المنع من السفر يتم آلياً وعلى كل أحد، ولا علاقة له بالوقائع وطبيعتها، ويتساوى فيه المطلوب بمبلغ عشرة آلاف أو عشرين مليونا، واعرف اشخاصا قام البنك بمصادرة مكافأة نهاية الخدمة المصروفة لهم، مع ان المكافآت من الاموال الممنوع حجزها نظاماً، وبعض الموقفة خدماتهم من الميسورين ينقلون اموالهم لذويهم او اصدقائهم في الداخل، قبل اكتمال اجراءات الايقاف، بعلم ومعرفة المحيطين بهم، او يرسلونها الى ملاذات آمنة في الخارج، وهذه الملاحظات وغيرها تحتاج لتحقيقات مكثفة ومراجعة تشريعية دقيقة، وتعاون اقليمي ودولي، خصوصاً واننا في زمن الشفافية والمحاسبة التي لا تستثني احداً.
التعليقات