للمنافسة الصينية – الأمريكية أكثر من وجه. ليس غريباً أن تكون «المعركة» الجارية حول التطبيق الشهير، الصيني المنشأ، «تيك توك» أحد عناوين هذه المنافسة. مضى الزمن الذي كان فيه الغرب، أمريكا ومعها أوروبا، وحده من يتحكم في وسائل الاتصال الحديثة، ويستحوذ على ما في جوفها من معلومات. ها هي بكين منافس خطير تخشاه واشنطن، يقتحمها في عُقر دارها. وعُقر الدار، حسب معاجم لغتنا الثرية، هو وسطها، وأحسن موقع فيها، وهل هناك ما هو أهمّ وأخطر من الموقعين في موضوع معركة «تيك توك»: الاقتصاد والاستخبارات؟ حسب معاجم لغتنا أيضاً يقال: «ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا»، ولو أردنا تلخيص جوهر ما يجري فلن نجد تعبيراً أبلغ من هذا.

هل الشعور بالإذلال من غزو الديار، حتى لو كان إلكترونياً، هو ما حمل مجلس النواب الأمريكي على تمرير ما عرف ب«قانون حماية الأمريكيين من التطبيقات الخاضعة للرقابة من قبل الخصوم الأجانب»، بأغلبية 352 صوتاً مؤيداً ومعارضة 65 نائباً فقط، استهدف «تيك توك»، على خلفية الخشية من تأثير التطبيق المذكور على المؤسسات ووسائل الإعلام والجامعات والمشاهير، كيف لا وحوالي ثلث الشباب الأمريكيين يحصلون على أخبارهم بانتظام من تلك المنصة، وتحذّر وسائل إعلام أمريكية من أن لدى المنصة مقدرة على حمل قطاعات من الأمريكيين لتبني «وجهات نظر أكثر ودية تجاه الصين». الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، وفي تعليق على ما يجري لخّص الأمر بالتالي: «حين يرى شخص ما شيئاً جيداً لدى شخص آخر ويحاول أن يأخذه لنفسه، فهذا منطق قطّاع طرق بالتأكيد».

واجه أصحاب المقترح تحدّيات لا يستهان بها. «تيك توك» شنّ حملة مضادة، وثمّة حديث عن أن مشروع القانون سيواجه مقاومة أشدّ في مجلس الشيوخ، خاصة أن أصحاب المنصة أظهروا مقدرة في التأثير على الرأي العام الأمريكي، وحتى لو وقع الرئيس بايدن على القانون، ستظلّ هناك الكثير من العقبات لإتمام إجراءات تنفيذه. حسب وسائل الإعلام الأمريكية أيضاً، فإن هذا القانون أو أي قانون مماثل «يجب أن يحظى بموافقة المحاكم، حيث سيواجه تدقيقاً إضافياً لأنه يهدد منصة يمارس عليها عشرات الملايين من الأمريكيين حقوقهم التي يكفلها التعديل الأول للتعبير عن أنفسهم».

يمكن لإحدى شركات الاتصالات العملاقة وذات الخبرة أن تشتري «تيك توك» وتدمجه. لكن هذا يتعارض مع نهج مكافحة الاحتكار الذي تتبعه إدارة بايدن، ومن غير المعروف كيف ستكون المنافسة بين شركات التكنولوجيا العملاقة التي ستتدخل في المعركة.

وفي الخلاصة لا يبدو أن «تيك توك» سيختفي من هواتف الأمريكيين في وقت قريب.