ألا تتمنّى للعالم العربي أن يذهب هو الآخر إلى ما هو أبعد من الترف العلمي، إلى ما وراء حدود البطر في البحث العلمي؟ حين تتمنى ذلك تشعر فوراً بقول المتنبّي واقفاً في الحلق كالحَسَك إذا مسَك.
الفيزياء الفلكيّة في حدّ ذاتها من علوم المترفين في البحث العلمي، فما بالك بالإغراق في ميادينها النظرية لغايات أبعد من الخيال العلمي. لهذا تُسارع الأنظمة النامية في نومها إلى التقليل من الشأن: «الويل لهم، يهدرون أموال الشعوب في بحوث عابثة، بينما البطون الجائعة أولى بها». في النهاية لا البطون شبعت ولا البحث العلمي قامت له قائمة.
موقع «إيرث.كوم»، نشر مقالاً طريفاً عنوانه: «الفيزيائي الفلكي يقول إنه حلّ معادلة السفر في الزمان». هذا العالم هو البروفسور رون ماليت، الأستاذ بجامعة كونيكتكت الأمريكية، ظل وهو اليوم في السبعين، هائماً في هذه الأحلام التي لا تخلو من الأوهام العلمية. لكنّ في مسيرته منذ الطفولة دروساً تربويةً جديرةً بالتأمّلات. كان والده يعمل في تصليح التلفزيونات، وقد زرع فيه منذ الصبا حبّ العلوم، وكانت المأساة في سنّ العاشرة، يوم أصيب أبوه بسكتة قلبية. وجد رون السلوان في الكتب، وكان لقاء العمر مع كتاب «آلة الزمن» للبريطاني هربرت جورج ويلز. لقد صارت الأسطر الأولى منارة فكره وحياته: «يعلم العلماء جيداً أن الزمان ليس سوى نوع من المكان، فلِمَ لا نستطيع أن ننتقل في الزمان مثلما ننتقل في أبعاد المكان الأخرى؟»
ذلك السؤال العميق هو الذي رسم المسار العلمي لرون ماليت. لقد أضاءت نار الشوق إلى لقاء أبيه جوانحَه، وأذكتها صبابة الفيزياء الفلكية. يقول: «عليك أن تتخيّل نسيج الزمكان (الزمان والمكان) كما لو كان نهراً. إن الزمن يجري في اتجاه واحد، سوى أن الجاذبية الخارقة في الثقب الأسود عند دورانه، تستطيع أن تحدث دوّامات يلتفّ فيها الزمن على نفسه». لكن البروفسور ليس شاعراً سارحاً في الخيال، إنه عليم بالتحديات والحدود. يرى أن أقلّ طاقة تتطلبها آلة الزمن هذه تعادل طاقة مجرّات لا يستطيع الإنسان امتلاكها في الحاضر.
لزوم ما يلزم: النتيجة العملية: لولا البحوث النظرية في فهم الزمكان، لم يكن ممكناً إيجاد نظام التموضع العالمي (جي.بي.إس). أمّا الدروس التربوية، فاغترف من البحر ما شئت.
التعليقات