الدعوى التي رفعتها نيكاراغوا أوائل الأسبوع على ألمانيا بتهمة تسهيل "الابادة في غزة"، من طريق استمرارها في تزويد اسرائيل بالسلاح وقطعها التمويل عن وكالة "الأونروا"، هي أحد الانعكاسات التي تتركها الحرب على الصراع بين جنوب العالم وشماله.

قررت نيكاراغوا الالتحاق بالدعوى التي كانت رفعتها جنوب أفريقيا ضد اسرائيل بتهمة "ارتكاب ابادة جماعية" بحق الفلسطينيين في غزة، من طريق محاسبة ألمانيا التي زادت من صادرات السلاح إلى اسرائيل بعد هجوم حركة "حماس" على غلاف غزة في 7 تشرين الأول، إلى عشرة أضعاف، في حين باعت ألمانيا أسلحة لإسرائيل العام الماضي بما مجموعه 258 مليون دولار، أي ربع الواردات الإسرائيلية من الأسلحة، بينما تبقى الولايات المتحدة هي المصدر الرئيسي للسلاح إلى الدولة العبرية بنسبة 69 في المئة.

وبعد الهجوم الإسرائيلي على موظفي المطبخ المركزي العالمي في وسط قطاع غزة في الأول من نيسان مما أسفر عن مقتل 7 منهم، تصاعدت المطالبات في العالم بوقف تصدير السلاح إلى اسرائيل، حتى من داخل الولايات المتحدة، التي يضغط الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي وعدد من السناتورات وفي مقدمهم بيرني ساندرز، من أجل تقييد عملية بيع السلاح لإسرائيل واشتراط احترام القانون الإنساني الدولي.

وفي بريطانيا، التي قتل ثلاثة من مواطنيها في الهجوم على المطبخ المركزي العالمي، تكثفت الدعوات سواء من اصوات في الحزب الحاكم أو المعارضة أو منظمات المجتمع المدني، من أجل حظر تصدير السلاح لإسرائيل. لكن حكومة ريشي سوناك ترفض ذلك، وتقول أن ليس ثمة أدلة قاطعة على انتهاك الجيش الإسرائيلي للقانون الإنساني الدولي، فضلاً عن أن صادرات بريطانيا من الأسلحة إلى اسرائيل لا تشكل سوى 0.02 في المئة من واردات تل ابيب من السلاح. ومع ذلك، لا يزال الجدل محتدماً بقوة في المملكة المتحدة حول هذه المسألة.

وتبقى المانيا حالة فريدة، لأن مجرد وقوفها أمام المحكمة الدولية لتدافع عن نفسها بتهمة "تسهيل الابادة"، تثير حساسية تاريخية. وبعدما كانت الحكومات الألمانية المتعاقبة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، قد فعلت الكثير كي تكفر عن المحرقة بحق اليهود في العهد النازي، تجد برلين نفسها اليوم متهمة بدعم ابادة بحق الشعب الفلسطيني. وهذا موقف ما كان المستشار الألماني أولاف شولتس يتمنى أن يجد نفسه فيه.

فاستطلاعات الرأي تظهر أن معارضة الألمان للحرب الإسرائيلية قد تضاعفت لتصل إلى نسبة 69 في المئة، بينما تدنت نسبة التأييد لإسرائيل إلى 18 في المئة فقط. ويعتقد تسعة من أصل عشرة ألمان، أنه يجب ممارسة ضغط أشد على اسرائيل لوقف الحرب. وأظهرت وزيرة الخارجية انالينا بيربوك التي تنتمي إلى حزب الخضر في الآونة الأخيرة نفاد صبر حيال اسرائيل عندما أعلنت أنه "لا توجد أعذار" لعدم إدخال المساعدات الغذائية إلى غزة. وحتى شولتس نفسه بات أكثر انتقاداً. وهو قال خلال زيارة لإسرائيل الشهر الماضي، إنه "مهما كان الهدف مهماً، فإنه لا يبرر الأكلاف الباهظة المروعة".

وتعبيراً عن المأزق الألماني، كتبت صحيفة "در شبيغل" :"إن سمعة ألمانيا الدولية، تستند في جزء منها إلى حقيقة استخلاصها الدروس من ماضيها الإجرامي ... لكن منذ 7 تشرين الأول، تواجه برلين اتهامات بتطبيق معايير مزدوجة". وعملت الحكومة الألمانية على اسكات أصوات يهودية وليبرالية معارضة للحرب، وحظرت في الأيام الأولى للنزاع تنظيم تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين. وفور اتهام اسرائيل موظفين في وكالة "الأونروا" بالمشاركة في هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول، سارعت برلين إلى الحذو حذوى واشنطن بتعليق المساهمة الألمانية في الوكالة.

بطريقة أو بأخرى، تثبت الحرب على غزة أن مضاعفاتها العالمية بمثابة كرة ثلج متدحرجة. وبديهي أن تكافح ألمانيا لتجنب نفسها نورمبرغ أخرى.