كلما مر يوم وتأخر الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني تقلصت فعالية الرد وأهميته بالنسبة إلى الحدث الأساسي المتمثل باستهداف الأراضي الإسرائيلية مباشرة من إيران. وكلما مر الوقت على الهجوم الإيراني تكثفت الضغوط الأميركية والأوروبية على إسرائيل من أجل ثنيها عن القيام برد يمكن أن يستدرج رداً على الرد، فترتفع نسبة خطر الانزلاق نحو مواجهة أوسع وأكثر خطورة.
من هذه الناحية، يمكن أن يعتبر الإيرانيون أنهم من خلال تنسيق الهجوم على إسرائيل ضمناً مع الولايات المتحدة، وتحاشي التورط في تحقيق إصابات جدية في إسرائيل، كسبوا نوعاً ما على جبهة العلاقة مع إدارة الرئيس جو بايدن. ومن ناحيتهم، يمكن للإسرائيليين إن استجابوا لضغط واشنطن أن يكسبوا بترميم العلاقة المتهاوية مع إدارة الرئيس بايدن والحزب الديموقراطي المنهمك في معركة الانتخابات الرئاسية الصعبة ضد المرشح دونالد ترامب. كما يمكن لإسرائيل استغلال حدث تعرضها لهجوم لا سابق له من قبل إيران مباشرة لكي تنتزع مساعدات عسكرية ومالية قد يتفق الحزبان الجمهوري والديموقراطي للتصويت عليها في الكونغرس. من هنا من المحتمل أن تتراجع احتمالات قيام تل أبيب بهجوم ضد إيران تحت عنوان ترميم قدرة الردع التي تعرض لامتحان جدي يوم 14 نيسان - أبريل الفائت. لكن تستطيع إسرائيل في المقابل أن تستحصل على أسراب جديدة من طائرات "إف-35" المتقدمة، وأن تجدد مخزونها من قذائف المدفعية والدبابات الذي بلغ مستويات منخفضة.
لكن التعويض الأهم الذي يمكن لإسرائيل أن تحصله في هذه المرحلة يتلخص بالحصول على ضوء أخضر أميركي لاستكمال معركة رفح بأسلوب مختلف عما سبق في مناطق أخرى. كما يمكن أن يتراجع الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو بالنسبة إلى ما يسمى "اليوم التالي" في غزة. وأكثر من ذلك، يمكن أن يتراجع الحديث عن إنهاء الحرب بسرعة مع منح الجيش الإسرائيلي مزيداً من الوقت لاستكمال معركة رفح بوتيرة أقل عنفا وكثافة.
فالهدف المتفق عليه بين تل أبيب وواشنطن لا يزال إقصاء حركة "حماس" من قطاع غزة. وتصفية جناحها العسكري كي لا يعود إلى سابق عهده من القوة والحجم. بمعنى آخر، قد يبقى الجناح العسكري في "حماس" قائماً لكن كقوة غير نظامية ومحدودة القدرات مقارنة بما وصلت إليه يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
انطلاقاً مما تقدم، من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل ستعمل في حال الاستجابة لمطلب أميركا عدم الرد على إيران على التركيز أكثر على الجبهة اللبنانية بمواجهة "حزب الله"، لناحية العنف والكثافة والعمق. وهذا الأمر هو خبر سيئ للبنان الذي سيتعين عليه أن يتحمل وزر المواجهة المتدحرجة بين إسرائيل و"حزب الله". فإذا كانت واشنطن مصرة على عدم توسيع الحرب في لبنان، فإنها تتفهم في مكان ما دوافع إسرائيل لرفع وتيرة المواجهة من أجل إفهام "حزب الله" ومن خلفه إيران أن اللعبة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية يجب على أقل تقدير أن تستقر سريعاً على حالة هدنة طويلة الأمد، تماماً كما كانت الحال إثر حرب عام 2006.
قد تحول إسرائيل اهتمامها الرئيس نحو لبنان، لا سيما أنها تستصعب أمر التعايش مع 100 ألف صاروخ على أبوابها. وقد يشهد لبنان في الأسابيع المقبلة مرحلة عسكرية شديدة الخطورة، وخصوصاً مع اقتراب فصل الصيف أو ما يسمى بفصل الحروب في الشرق الأوسط.
التعليقات