ثمة الكثير من الأحداث الجارية في أوكرانيا هذه الأيام، تؤشر إلى مرحلة بالغة الصعوبة. الهجوم الروسي في منطقة خاركيف يربك حسابات القيادتين السياسية والعسكرية في كييف. هل هو الهجوم الروسي المتوقع، أم أنّه مجرد مناورة روسية لسحب جزء من القوات الأوكرانية من منطقة دونيتسك ونشرها للدفاع عن خاركيف، بما يتيح لروسيا الاندفاع في هذه المنطقة والوصول إلى حدودها الإدارية؟ وهذا هدف رئيسي من أهداف الحرب الروسية.

الدينامية الجديدة التي تشهدها خطوط الجبهة في خاركيف منذ أسابيع، والانسحابات والإخلاءات التي نفّذتها السلطات الأوكرانية، يعزوها المسؤولون الأوكرانيون إلى التأخير الحاصل في وصول المساعدات العسكرية الأميركية. هذا في النظرة العامة للوضع. لكن إعلان القيادة العسكرية الأوكرانية، أنّ البريغادير جنرال ميخايلو دراباتي حلّ محل القائد المسؤول عن خط المواجهة في منطقة خاركيف بشمال شرق البلاد، يحمل على الاعتقاد بأنّ ثمة خطأ ميدانياً في تقدير حجم الهجوم الروسي منذ البداية.

أكثر من استشعر بخطر الوضع الأوكراني، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حذّر في الأشهر الأخيرة من أنّه يجب على الغرب عدم السماح بحصول تغيير دراماتيكي على الجبهة، لأنّ ذلك سيخدم أهداف الرئيس فلاديمير بوتين في تعميق السيطرة على شرق أوكرانيا.

وحاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي حطّ في كييف الثلثاء الماضي، طمأنة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، إلى أنّ المساعدات العسكرية الأميركية في طريقها إلى كييف، وبأنّ أوكرانيا "ليست وحدها... سنبقى معكم حتى ضمان أمن أوكرانيا وسيادتها وقدرتها على اختيار مسارها".

بلينكن بدا وكأنّه يسعى إلى دفع اللوم عن إدارة الرئيس جو بايدن في تجميد حزمة الـ61 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا بسبب رفض الجمهوريين في الكونغرس إقرارها، فلا يتحمّل البيت الأبيض جزءاً من المسؤولية في التقدّم الروسي. وقبل عشرة أيام، زار بلينكن بكين وكان على جدول أعمال زيارته، بند رئيسي هو الضغط على الصين كي توقف تصدير التكنولوجيا العسكرية إلى موسكو، تحت طائلة فرض عقوبات على الشركات الصينية ذات الصلة. وبدوره نقل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للرئيس الصيني شي جينبيغ الذي زار باريس الأسبوع الماضي، تحذيراً أوروبياً بهذا المعنى.

ما يريد الغرب قوله لأوكرانيا، إنّ هذه حرب متعددة الجبهات، وإنّ الدعم العسكري وحده غير كاف في المواجهة مع موسكو، وبأنّ ذلك يتطلّب جهداً دبلوماسياً مع الدول التي لا تزال تقيم علاقات وطيدة مع روسيا، وفي مقدّمها الصين.

لكن هذه عملية طويلة، قد لا تتناسب مع سرعة التطورات العسكرية على الأرض، وفي وقت تستعد روسيا وأوكرانيا على حدّ سواء لحرب طويلة. هذا ما تدل إليه إقالة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وتعيين أندريه بيلوسوف مكانه. وبيلوسوف هو من المؤمنين بضرورة ترسيخ اقتصاد الحرب وتسخير الكثير من المقدّرات لتطوير القدرات الدفاعية.

ومن جهة أوكرانيا، يؤكّد قرار خفض سن التجنيد من 27 عاماً إلى 25 عاماً، أنّ البلاد في سبيلها للتكيّف مع حرب مديدة. ويصبّ في هذا الاتجاه أيضاً العمل الأوكراني الدؤوب على تصنيع السلاح محلياً، بحيث تكون كييف قادرة على انتاج نسبة كبيرة من الأسلحة التي تحتاجها في المواجهة، والتركيز على امتلاك تقنيات متفوقة في مجال المسيَّرات التي أثبتت نجاحها في الوصول إلى أهداف في العمق الروسي.

ومع ذلك، فإنّ المجهود الحربي يرهق أوكرانيا ويستنزف مواردها في سياق تصميمها على إحداث التوازن مع روسيا، التي تملك من الإمكانات أكبر مما تملك أوكرانيا، وربما تكون أكثر قدرة على تحمّل أعباء استمرار الحرب.