يقول المستشار الإعلامي اللامع د.ياسر عبدالعزيز، إن هناك مفارقة لا ينتبه إليها كثير من الناس وهي أنه كلما طُرحت تكنولوجيا جديدة تَطوَرَت وسائل الإعلام وليس العكس.
وضرب مثالاً على الفاكس عندما تم اختراعه بزغ نجم وكالات الأنباء (في غياب الإنترنت).
وعندما اخترع غوتنبرغ المطبعة في ألمانيا نحو عام 1440، انبثق فجر جديد في عالم الطباعة، ومعها صار في مقدور البشر لاحقاً نشر صحف ورقية كانت النواة لإعلامنا المعاصر. وعندما ظهر الراديو تكاثرت المحطات الإذاعية، وبدخول الشاشة الفضية (التلفاز) إلى بيوتنا حلق الإعلام نحو آفاق رحبة من الثراء الإعلامي والثقافي والترفيهي المرئي. باختصار ما كان يمتعنا على الورق صرنا نشاهده على الشاشة.
وأتفق مع د.ياسر في حديث أمس في إحدى جلسات قمة الإعلام العربي في دبي، فالأمر نفسه حدث عندما اختُرِع الإنترنت، حيث أسهم ذلك الحدث في ازدهار الصحافة الإلكترونية التي حاربها أو قلل من شأنها بعض المخضرمين في الصحافة التقليدية. إلا أن الصحافة الإلكترونية صمدت وصار لها جوائز إقليمية ولا تقل جودتها عن الورقية. وبفضل الانترنت صارت تفاصيل الأخبار وتحديثاتها متاحة على مدار الساعة، وهو ما لم يكن متاحاً في الورق.
ومع ظهور الهواتف الذكية، صار هناك حاضنة للتطبيقات الإعلامية، فأضحت إشعارات الخبر تصل إلى جيوبنا، ووجدت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لملاحقتنا في الأخبار والأحداث لحظة وقوعها.
ورفعت منصة «إكس» شعار: «ماذا يجري من حولك؟» وهو تساؤل في صلب العمل الصحافي. فالناس تريد أن تعرف الحدث لحظة وقوعه. ليس ذلك فحسب، بل إن في منصة «إكس» خاصية يمكن أن نقتصر فيها على الأخبار أو الهاشتاقات التي تحدث في محيطنا الجغرافي فقط (كحينا السكني أو المدينة التي نعمل فيها). الأمر الذي جعل الإنسان العادي لأول مرة في التاريخ يعيش لذة السبق الصحافي، الذي عشناه كصحافيين في بداياتنا.
وعندما حظيت تقنيات البث الفضائي بالتطور، وجدت القنوات التلفزيونية فيها فرصة سانحة للوصول إلى مناطق بعيدة لم يكن يصلها الإرسال المحلي. وذلك كله أثرى خيارات المشاهدين.
وكان وراء ذلك بلاشك اختراع الأقمار الصناعية، الذي كان العمود الفقري في نقل الأخبار والأحداث من مختلف أنحاء العالم في وقت قياسي فبات نقل الأخبار سهلاً من أرض المعركة والحدث.
وعندما فاجأنا العلماء بتطوير تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR)، صار في مقدور وسائل الإعلام الدخول إلى حقبة جديدة من التفاعل الحي، حيث يمكن للجمهور الانغماس في الحدث بشكل ثلاثي الأبعاد، الأمر الذي يضيف بعداً جديداً للتجربة الإعلامية والترفيهية.
وعندما ظهرت تقنيات الفيديو حسب الطلب (VOD)، مثل منصة «نتفلكس» و«يوتيوب» و«شاهد» ومنصة تلفزيون الكويت 51،، صار باستطاعة المشاهدين اختيار ما يحبذون مشاهدته، من دون الالتزام بتوقيت زمني مفروض كما كان الحال عقوداً طويلة، فتغير مفهوم مشاهدة التلفزيون.
فنكتة تمنى البعض إيقاف التلفزيون مؤقتاً وقت النوم أصبحت حقيقة، حيث يمكن أن يكمل المرء برامجه الإعلامية والترفيهية بأي وقت لاحقاً. وعند ظهور تقنيات البث المباشر عبر الإنترنت، مثل «إنستجرام لايف» و«فيسبوك» وغيرهما تمكن الناس من بث الوقائع مباشرة إلى جمهور عالمي واسع النطاق، فصار التفاعل اللحظي ممكناً.
لم نعد بحاجة إلى تصريح من وزارة الإعلام للبث المرئي في الملاعب الرياضية والميادين العامة. ومع ظهور منصات التدوين مثل «بلوجر ووردبريس» صار يمكن للأفراد أيضاً التعبير عن آرائهم فظهرت «صحافة المواطن». وطورت الأبعاد الثلاثية 3D الأفلام والإنتاج التلفزيوني والألعاب الإلكترونية. حتى الذكاء الاصطناعي الذي حذر منه المختصون بوأد مهن إعلامية عديدة، صار ينبوعاً من المعرفة والصياغة والمفردات التي تعزز أداء الإعلامي.
حتى الطائرات من دون طيار «درون»، من كان يتوقع أنها سوف تثري «الكاميرا مان» (المصور)، فصارت دورة مكثفة صغيرة كفيلة بمنحه مهارات مذهلة في تغطية الحدث من زوايا عليا لم يكن بوسع الإنسان أن يصلها بمفرده في لحظات. وحتى أتمتة الصحافة كاستخدام الروبوتات في تحرير أجزاء من الأخبار، أسهم في الواقع في تسريع كتابة الخبر، وحسن كفاءة غرفة الأخبار.
التكنولوجيا لن تتوقف عن إدهاشنا، ومن يعاملها كشماعة لن يفلح في تطوير إعلامنا ناهيك عن الإبقاء على ما تبقى من إبداعاته.
التعليقات