عندما التقينا بالكاتبة والشاعرة مرفت غزاوي في تدشين كتابها: "أول رسالة أخيرة" التي وصفته عبر عنوان الكتاب بأنه ينفتح على العديد من الرسائل الأخيرة، كون هذه الرسالة هي أولاها، تحدثت الكاتبة عن أدب الرسائل بين العديد من الكتاب، وهنا أقول أن فن الرسائل الأدبية عند العرب يعتبر من الفنون الأدبية القديمة ازدهر في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وفيهما انتشر صيته، وهو " فن نثري جميل يظهر مقدرة الكاتب وموهبته الكتابية وروعة أساليبه البيانية القوية.

وهناك أسماء كثيرة قديمة وكذلك معاصرة من اهتمت بهذا اللون الأدبي الشهير، سواء من خلال كتابة رسائل أدبية على شكل نصوص، أو من خلال المراسلات ذاتها بين الأدباء أنفسهم.

وقد حظيت شخصياً بنصيب منها مع الكاتبة الكبيرة غادة السمان، في بداية تجربتي القصصية، حيث كنت متأثراً بها، وقامت الكاتبة الكبيرة بمراسلتي عبر رسالةٍ أرسلتْها لي في جريدة “الحياة” العام 2001 واعتبرتْني ابناً لها في اﻷبجدية، بعد المقابلة التي أُجريت معي في القناة الثقافية المصرية وذكرتُ حينها أنني متأثّر بها، معتبرةً ذلك خطوة جميلة في تجاوز تابوه يعيشه المجتمع العربيّ في عدم اعتراف الرجل بالتأثُّر بالمرأة باعتبار – شعور الرجل أنّ المرأة تابعة له – واعتبرت أن الجيل الجديد من الشباب -الذي مثل جيلنا- “في بداية اﻷلفية الجديدة” تجاوز ذلك التابوه، وأنها درجة جيدة من الوعي، ثم حصل بيني وبينها تواصلٌ، وأصبحت ترسل لي رسائلَ أدبيةً في تلغراف من مقرّ سكنها في بيروت أو في باريس، أكّدت لي أنها ﻻ تجيد التعامل مع التقنية في حينها، حيث بدأت وقتها الهواتف المحمولة، وبدأ التعامل مع الكمبيوترات مع ظهور الويب سايت، الذي كنتُ أجيد التعامل معه، وﻻ زلتُ أريد أن أعرف المزيد عن “أستاذتي القديرة”، أو (أمّي في اﻷبجدية) كما أحبَّتْ أن تطلق تلك الصفة عليّ، أتمنّى أن أطمئنّ على صحّتها، في هذه المرحلة من حياتها، متمنياً لها طولة العمر.

فالرسائل الأدبية مثلت قيمة إبداعية مستقلة بحد ذاتها، ولها أهميتها في التراث الأدبي العربي، وهي في ظني تحتاج إلى مزيد من الدراسات النقدية التي تبرز جوانب الإبداع بها، وتلقي الضوء على القيم البلاغية واللغوية التي تتميز بها.