أصبحت السياحة عالميا صناعة متكاملة الأطراف، وأحد أهم الاقتصادات التي تسعى الدول نحو تهيئة السبل لنموها والاستفادة من عوائدها المهمة، وقدرتها على إيجاد فرص وظيفية تناسب نطاقا عريضا من طالبي العمل بجميع مستويات التأهيل العلمي والأعمار والمواقع في كل دولة، وتميزها باستقطاب الصرف من خارج الدولة (أو منع تسرب العملة لخارجها عند استبقاء مواطني الدول داخلها) حتى أصبحت هذه العملية تشبه في استقطابها للعملة الأجنبية عمليات التصدير التي كانت ولا تزال الدول تحرص على توازن ميزانها.

وبلادنا دخلت خلال السنوات الأخيرة بقوة في هذا التنافس ما جعلها ترفع عدد الزائرين لها بشكل غير مسبوق وتخطت المستهدفات التي وضعت لها.. وقبل الحديث بلغة الأرقام لا بد من مقدمة تاريخية عن السياحة السعودية (التي هي ممارسة متأصلة اكتسبها إنسان هذه الأرض منذ القدم بكرمه الفطري وبشاشته للضيف وأنسه به، وأتقنها بحكم موقعه الجغرافي على ملتقى طرق التجارة التاريخية، والتشرف بخدمة حجاج بيت الله الحرام بعد بزوغ نور الإسلام)، و منذ تأسيس الدولة السعودية سخرت جهودها مؤسسيا لتوفير سبل الخدمة والضيافة لقاصدي الحرمين الشريفين.

وقبل نحو 25 عاما صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء الهيئة العليا للسياحة برئاسة الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز وكانت تلك البداية الفعلية لمؤسسة النشاط وتنظيم هذا القطاع المهم ليحقق تنمية مستدامة تقوم على المبادرات ودعم الشراكات، والقيام بالمهمة الأساس (وربما الأصعب) وهي تأصيل مفاهيم السياحة في أذهان الناس وبناء توجهات إيجابية عنها.. وفي 2020 صدر أمر ملكي بتحويل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى وزارة السياحة وتعيين أحمد الخطيب القادم من نجاحات في القطاعين الحكومي والخاص وزيرا لها.. ووضعت رؤية 2030 بتوجيه من عراب الرؤية والملهم الحقيقي لكل النجاحات الأمير محمد بن سلمان السياحة ضمن رهاناتها الأهم لإحداث النماء الاقتصادي والاجتماعي وبناء صورة ذهنية صحيحة عن السعودية وتسويقها عالميا، وصاحب ذلك رفع مستهدف عدد السياح في 2030 إلى 150 مليون سائح (بعد أن تم تحقيق المستهدف السابق 100 مليون قبل 6 سنوات من 2030) وصاحب ذلك إشادة من ولي العهد بما حققته السعودية في مجال السياحة من نمو بنسبة 64 % في الربع الأول من 2023 واصفا ذلك بالأداء التاريخي.

وكانت السعودية قد فتحت باب السياحة الدولية رسميا في 2019 بإطلاق التأشيرة السياحية الإلكترونية، ورغم هذا الدخول المتأخر فقد تصدرت قائمة الأمم المتحدة للسياحة في نمو عدد السياح الدوليين في 2023 مقارنة بالعام 2019 للدول الكبرى سياحيا.. حيث حققت ارتفاعا بنسبة 56 % في عدد السياح الوافدين وتعمل تحت وزارة السياحة جهات لكل منها مهام واختصاصات محددة من أهمها صندوق التنمية السياحي ومجلس التنمية السياحي، والهيئة السعودية للسياحة التي تركز على تسويق السعودية كوجهة سياحية، ومناطقها وأنشطتها المختلفة كأنماط وبرامج سياحية، إلى جانب توليها مهام التنسيق مع مزودي الخدمة من القطاع الخاص للارتقاء بالبرامج والحزم السياحية.

وأخيرا: أهم شروط نجاح السياحة متوفر في بلادنا وفي مقدمتها الأمن (بمفهومه الشامل) وكذلك الأجواء والتضاريس المنوعة والجميلة في مناطقها المختلفة، والثقافة ونمط الحياة التي تؤدي إلى تجربة مختلفة وأصيلة، وحسن التعامل فلا يتعرض السائح للنصب والاحتيال ولا سوء المعاملة كما يحصل في بعض الدول التي تدعي أن أبوابها مفتوحة للسياح دون تجاوزات لكن الوقائع تثبت عكس ذلك.. وفي الختام: الأمن وحسن التعامل هما مفتاح النجاح السياحي، والمواطن المرحب والخيارات المتعددة والقيادة الداعمة بقناعة هي نقاط التفوق التي نراهن عليها.